منبر حر لكل اليمنيين

تفسير الحوثي للوحدة اليمنية

أحمد محمد

يوم 22 مايو (يوم الوحدة اليمنية) وكيف تتعامل معه جماعة الحوثي :
من مجريات العام الماضي

مقدمة: يوم الوحدة اليمنية (22 مايو)

في 22 مايو 1990 أعلنت الجمهورية العربية اليمنية (الشمال) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) توحيد شطري اليمن تحت مسمى “الجمهورية اليمنية”، بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض. شكّل هذا اليوم “يوم الوحدة” فقدانًا للانقسام وإطلاقًا لآمال بناء دولة مدنية حديثة تعزّز الثقة بين أبناء الوطن الواحد…

1. إلغاء الاحتفالات الرسمية وتأجيلها

إلغاء كامل للاحتفالات: في 22 مايو 2024، أصدرت جماعة الحوثي قرارًا بإلغاء كافة الفعاليات والاحتفالات الرسمية بذكرى الوحدة، بالرغم من أنها كانت من المفترض إقامتها في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم .

التبرير الرسمي: جاء القرار بناءً على توجيهات مهدي المشاط، رئيس “المجلس السياسي الأعلى” التابع للحوثيين، معللًا ذلك بأنه “قرار تضامني” مع إيران إثر وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبداللهيان.

2. إعلان الحداد تضامناً مع إيران

مدة الحداد: أعلنت الجماعة حدادًا لسبعة أيام على وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (الذي لقي حتفه بتاريخ 19 مايو 2024)، في حين أعلنت إيران ذاتها حدادًا لمدة خمسة أيام فقط .

توقيت انتهاء الحداد: بناءً على الخطاب المتلفز للمشاط، يفترض أن تنتهي أيام الحداد يوم الأحد 28 مايو 2024، على أن تُستأنف الاحتفالات بعدها “تكريمًا لمشاعر الشعب الإيراني” بحسب تبرير الحوثيين.

3. الخطاب الأيديولوجي وتبرير “عدم إنتاج الوحدة”

في خطابٍ له وصف فيه “الـ22 من مايو” بأنه “لم يُنتِج الوحدة، وإنما كشف عنها”، قال مهدي المشاط:

 الوحدة في ديننا وقيمنا موجودة منذ الأزل … وذكرى 22 مايو ليست مناسبة وطنية، بل تكريس لوحدة إيمانية وزيدية تتجاوز الأطر السياسية .

بهذا الخطاب يسعى الحوثيون إلى:

تسطيح معنى الوحدة بعيدًا عن البُعد القوميّ والعربيّ، وتحويلها إلى “وحدة دينية-مذهبية” تخدم روايتهم.

نقد الأنظمة السابقة، وخصوصًا نظام علي عبد الله صالح، واتهامه بـ”خيانة الوحدة” و”إشاعة الفساد”.

4. تغييب الهوية الوطنية وشطب الرموز المشتركة

تغيير المناهج: عمدت سلطات الحوثيين إلى تعديل المناهج التعليمية وإبعاد أي إشارة إلى رموز الوحدة (صالح و البيض) واستبدالها بأسماء قياداتهم وزعماء إيرانيين.

طمس الأعلام: لوحظ إزالة علم الوحدة الرسمي (الأحمر-الأبيض-الأسود) من الساحات والشوارع في صنعاء، واستبداله بشعار جماعة الحوثي “اللَّه أكبر” بالخط الكوفي.

5. التضييق على الأصوات الوحدوية

منع الفعاليات: قُدِّمت إذونات للاحتفال فقط لحلفاء الجماعة وحلفائها من “الأحزاب الوطنية” الخاضعة لسيطرتها، بينما منع الإعلاميون والنشطاء المناهضون قرار الإلغاء من التغطية أو نشر آراء مؤيدة للوحدة.

ملاحقة الصحفيين والناشطين: سجّنت الأجهزة الأمنية الحوثية عدداً من الصحفيين وناشطي الحراك المدني الذين حاولوا تنظيم وقفات تضامنية مع ذكرى 22 مايو، بتهم “خيانة المذهبية وترويج القضية الانفصالية” .

6. استثمار الانقسام الجنوبي لتعميق النفوذ

في سياق أوسع:
يستخدم الحوثيون أزمة الجنوب والتطلعات الانفصالية كوسيلة لإظهار الوحدة الوطنية التي يزعمون أنهم الممثلون الحقيقيون لها، رغم أنهم يسيطرون على شمال البلاد بالقوة.

يستغلون الدعم الإيراني لتدعيم روايتهم بأنهم خط الدفاع عن “الوحدة الإيمانية-الزيدية” ضد “قوى الفساد والرجعية العربية” (في إشارة إلى السعودية والإمارات).

خاتمة

يبدو أن موقف جماعة الحوثي من يوم الوحدة (22 مايو) لا يعبّر عن انتماءٍ حقيقي للوحدة اليمنية بالمفهوم الدستوري والتعدّدي، بل يسعى إلى:

1. تمرير أجندة أيديولوجية تمزج البعد الديني بالسياسي.

2. تعزيز التبعية لإيران عبر التضامن المبالغ فيه معها.

3. طمس الهوية الوطنية الجامعة لصالح هوية ضيقة يتحكمون بها.

وبذلك يتحوّل هذا اليوم إلى ساحة صراع رمزي تعبّد لهم شرعية “الإنقلاب”، وليس مناسبة وطنية جامعة تُحتفل بها مختلف القوى والفئات اليمنية.

تعليقات