من مكانٍ ما، بين سقفٍ من صفيح وخيام، مثقوب بالرصاص والريح، وتحت سماء لا تُنزل غير الغبار، كان ملايين اليمنيين يصغون لترامب وهو يُلقي كلمته في الرياض…
كنت بين هؤلاء اليمنيين، أتحد بهم، نتجه صوب شاشة واحدة، هذه المرة لم نكن نبحث عن عدالة، ولا خبز، إنما عن ذكر عابر لبلد يُدعى اليمن. وكنا كمن يشير إلى قبر أمّه في جنازة أحد الأثرياء.
تحدث الرجل عن حضارة الشرق المختلفة، الأهرامات، وعن الشام سوريا، وعن الخليج الذي يتخطى البترول لينافس على قيادة العالم، ويصبح واسطة العقد. تحدث عن النفط، وعن الإرهاب، وعن التحالفات. لكن اليمن؟ اليمن لم تُذكر واستبدلت بـ”الحوثي”. كأن البلاد ليست سوى حفرة يسكنها الإرهاب، لا مكان فيها لطفولةٍ أو حبّ أو دعاء ورجاء… بلد في حقيقته أكثر من حفرة، إنه كهف.
أنا يمني، “ياوجع اليماني” أنا من تلك البلاد التي قيل يومًا إنها “أصل العرب”، والتي يبدو أنها الآن صارت أصل النسيان، أصل الغياب الذي لا يسأل عنه أحد، وإن ذُكر، فبصفته عبئًا على الطاولة، لا ضيفًا ذا كرامة.
يا إلهي، كيف اصبحنا نتوسل مجرد أن نُذكر، نحن الذين احتفينا لقرون بأننا أصل كل شيء، كيف نتوسل أن نرتّق اسمنا في جمل التحالفات، بحثا عن مكان في نشرة الأخبار لا يكون مرادفًا للجوع أو القصف أو الميليشيا.
عقد من حربنا مع المليشيات لنكسب الأرض، تصبح بلحظة، صراع مع العالم كي لا نصبح كذبةً على خريطة.
ما سبب هذا النسيان؟! نحن الذين نقيم في خاصرة الرياض، هل نسيت الحكومة الشرعية أن تصدّر القضية، أم صدرتها خطأً،وهل اختزلت معركة الخلاص في بياناتٍ مكرورة واحتفالاتٍ بالانتصارات الوهمية.
وحدنا نصارع طواحين الهواء اليوم، لا ضوء من الخليج، ولا ظلّ من الأمم، الكل مشغولٌ بترتيب مقاعده في مقدمة الأمم، بينما نحن نُقشّر أحلامنا كالبصل، طبقةً بعد طبقة، فلا نجد في النهاية إلا الدموع… نؤدي دور الضحية بصمت، وننتظر نهاية المشهد، أو نرجوه أن لا ينتهي.