في زمنٍ تشتد فيه المحن، وتتعاظم فيه الجراح، ينهض الشعب اليمني كل يوم على واقع مرير ومشهد عبثي: مجلس رئاسي مكوّن من ثمانية أشخاص يدّعون تمثيل وطن ممزق، لكنه في الحقيقة وطن لا يعرف من يمثله، ولا من يدافع عنه.
ثمانية رؤساء لبلد واحد! لأول مرة في التاريخ، يجتمع هذا العدد لقيادة وطن يتداعى من كل جانب، وكأن المشكلة في قلة الزعامة لا في غياب الإرادة. كل واحد منهم جاء من مشرب مختلف، وكل واحد له قواته الخاصة، وولاؤه المختلف، واعتماده على الخارج. يجلسون على طاولة واحدة، لكن بينهم حدود وخنادق وانعدام ثقة.
يتساءل اليمنيون بحسرة وغضب: متى يدرك هؤلاء الثمانية حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم؟ متى ينهضون لمواجهة ميليشيا الحوثي كما فعل عبدالفتاح البرهان في السودان، حين تحرك لحماية بلاده من الانقسام والشتات، ولم ينتظر العالم ليفعل ذلك عنه؟
لكن مجلسنا لا يزال ينتظر. ينتظر العالم أن يحرر اليمن من الحوثي، بدلًا من أن يقوم هو بمسؤولياته. ينتظر الدعم، والقرارات الدولية، والقمم، بينما الحوثي يرسخ أقدامه، ويعزز سلطته، ويعمق انقسام البلد.
هؤلاء الثمانية لا يجتمعون إلا على الخلاف. مختلفون على من يرأس البرلمان، من يقود المؤتمر، من يسيطر على هذا الملف أو ذاك. لا خطة موحدة، ولا هدف جامع. وحتى في منافيهم، تجدهم موزعين بين العواصم، وكثيرًا ما يجتمعون في مقاهٍ بالقاهرة بدلًا من ساحات المعركة أو مكاتب الإدارة.
بدل أن يكونوا جبهة سياسية موحدة، أصبحوا عبئًا على الوطن. همهم السلطة، لا السيادة. شغلهم المناصب، لا المعركة. وللأسف، فإن من يتقاعس عن أداء الواجب في لحظة الخطر، يكون شريكًا في الخراب لا ضحية له.
****
اليمن لا يحتاج ثمانية رؤساء.. بل يحتاج قائدًا صادقًا يحمل همّ الأرض والناس، ويقاتل من أجل مستقبل الوطن، لا من أجل كرسي فوق أنقاضه
في لقاء صحفي أجري مع الكاتب الكبير حسن العديني، تطرق إلى المشهد اليمني الراهن، وتحديدًا إلى أداء المجلس الرئاسي والأزمة المستمرة في البلاد. كان جوهر حديثه يدور حول حقيقة أن اليمن باتت اليوم بحاجة ماسة إلى قائد واحد – قائد قوي، شجاع، يمتلك الإرادة السياسية والقرار الوطني المستقل، قائد لا يخضع لضغوط الخارج ولا يتبع إلا مصلحة الوطن.
أشار العديني إلى أن المجلس الرئاسي، رغم تكوينه الجامع ظاهريًا، يعاني من شلل واضح في اتخاذ القرار، سواء في قضايا الحرب أو السلم. ووصفه بأنه “مسلوب الإرادة”، لا يملك القدرة على إطلاق عملية عسكرية شاملة لتحرير ما تبقى من البلاد من قبضة الحوثيين، ولا حتى على التفاوض الجاد الذي يخدم المصلحة الوطنية.
وحذر العديني من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى سيناريو كارثي، حيث يواصل الحوثي الزحف والسيطرة، محافظة تلو الأخرى، في ظل صمت وتردد القيادة الحالية. وأكد أن اليمن لا يمكن أن تُدار من قبل مجلس متعدد الأقطاب والولاءات، بل بحاجة إلى شخص واحد، قائد يمتلك رؤية واضحة، ويستند إلى إرادة شعبية وقوة عسكرية موحدة، ليقود عملية التحرير وإعادة بناء الدولة.
حديث العديني يعكس شعورًا عامًا بالخيبة من أداء القيادة السياسية الحالية، ويعيد إلى الواجهة سؤالاً قديمًا جديدًا: هل يمكن لليمن أن تنهض من جديد دون وجود قيادة مركزية قوية، تؤمن بالدولة، وتحمل مشروعًا وطنيًا جامعًا