منبر حر لكل اليمنيين

المشروع الوطني لا تُسقطه برقية عزاء والجمهورية فكرة أسمى من المناطق الرمادية

محمد عبده الشجاع

المشاريع الكبيرة لا تهزمها بقعة رمادية في رواق وردي، ولا تؤذيها تقديرات ملتبسة، والاتكاء على جدل القضايا خيبة لا تشبه الوقوف على تلة تطل على ساحة المعركة، ومع ذلك فالنقاشات لها جوانب إيجابية بكل تأكيد.

للجميع وللذين لم تتوقف اتصالاتهم ورسائلهم حتى الساعة، دعونا لا نحصي الهزائم الصغيرة ولنكن حاملين أدوات المواجهة في وجه كل مشاريع المحاباة، دون استثناء، أشقاء واصدقاء وغرباء، قتلة ومجرمين.

ولكل الذين تواصلوا بي وهم اعزاء أو علقوا أو أشاروا أو رمزوا أو همزوا أو لمزوا، اعتبروا ما قمت به عمل خارج مواثيق الجمهورية ومصفوفة النضال الوطني، لا مشكلة عندي وأنا اتقبل ذلك كما اتقبل أي نقد أو تصويب.

حين عزيت في وفاة الأستاذ يحيى الذاري كنت بكامل وعي اعرف توجهه وكثير من جوانب حياته السياسية، أتابع منشوراته وبعض حواراته، ولست نادما أبدا، ربما كانت رهبة الموت أقوى من النظر في مسيرة حياته، وسبق أن كتبت عنه قبل الجميع واشرت بوضوح إلى أنه لم يكن واضحا في حديثه وقراءته للمشهد الحالي وهذا موجود في صفحتي ولم يتحسس الرجل أو يظهر لي أي عداوة.

لذا فأنا لست منتظرا توجيهات من أحد ولا أنا مجنون كما وصفني البعض، وأي نقد اتقبله برحابة صدر شرط ألا يكون جارحا، كما أني جبلت على الحياة الطبيعية لا أملك موهوبة التزلف ولا التملق والتمسح بأردية النخبة السياسية والثقافية، لا أبالغ في عواطفي ولا أمارس وطنية جوفاء، ولا اتبع جهة بعينها وان حسبت مجازا على الراحل صالح ونظامه العائلي وهو شرف لا أنكره أبدا.

لا استلم من أحد محسوب على نفسي، أعمل في الصحافة الخبرية وأقول ارائي من خلال المنشورات اليومية وبعض المقالات بكل وضوح، لا أملك حسابات وهمية وليس لدي حسابات بنكية ولا اتحفظ مطلقا أمام آلة الحوثي الإرهابية وكل اختلالات المرحلة.

لا املك عقارات ولا راتبا حكومياً ولا بدل اعاشة، لست مرتبطا إلا بزوجة طيبة كريمة وولدين هما كل ما أملك ومحبة الناس وأسرة كبيرة اتبادل معها الود والخواطر، نستعين على اوجاع الحياة بالدعاء وصفاء الذهن ونقاء السريرة والتصالح مع النفس على أمل العودة واللقاء بعد شتات إن كتب لنا ذلك.

لم ادافع عن مواقف الرجل ولا توجهه ولا جذوره وتسلسه الأسري، وأنا لست جاهلاً اعرف جيدا ألاعيب السياسة وحبال العلاقات، على الأقل ليس لدي أي مصلحة، وأنا دائم المكاشفة منذ الإنقلاب وقبله وغير قادر على العودة للوطن حفاظاً على كرامتي.

فقط عزيت وهذا لا أحد مخول في توجيهي ماذا أفعل وماذا اقول ومتى وكيف؟ وتصنيفي هل أنا جمهوري أم مدسوس وخائن أم أنني بلا وعي أو إدراك وكل ما وصلني من رسائل احترمها وليس لأحد حق مصادرة رائي.

واقولها من الآن لمن يسأل عن (شجاع الدين) من أين؟ أقول له أنا لا أتعامل مع الألقاب كثيرا، وان كانت طفرة الحوثيين قد جعلتنا نلعن اليوم الذي….!! أنا لقبي (الشجاع) بدون (الدين) وليس لي أي علاقة بقريش وحاشيتها وبني هاشم الذين ملأوا الاصقاع ذرية ونسل، ولست مغرما بحفلات الجغرافية التنكرية ومناطقية المحافظات، ولدت في إب عشت معظم عمري الأول في تعز عشقت صنعاء حد الجنون.

إن تعزية شخص يدعي هاشميته لا تعني الانتماء ولا يشرف أنتمائي لأي فصيل أو سلالة تقتل بدعوى الاصطفاء، ولا يمكن بأي حال أن ننسى ما فعلوه باليمنيين وما فعلته الإمامة عبر التاريخ وهو أمر مفروغ منه.

الجمهوريون المناضلون في صفحات الفيس، هل بوسعكم محاكمة الخونة الذين قدموا عشرات القادة طعم للخوثي خلال السنوات الماضية، في مأرب وتعز والحديدة، أو محاكمة صاحب موسوعة (أعلام اليمن ومؤلفيه) التي مجدت الهالك حسين بدرالدين الحوثي العظام النخرة، التعيس في مرقده المزخرف، ومزاره البائس، الذي تم تشييده على أنقاض جماجم وأرواح اليمنيين.

يمكنكم أن تحاكموا من ذهبوا إلى تعزية أخيه في كهفه ومشوا في جنازته من كل الأحزاب من الذين تباكوا لاحقا في استشهاد اللواء (حميد القشيبي)، من دكوا حصون الجمهورية وافترشوا الساحات جنبا إلى جنب، من فجروا الطائرات وقتلوا جنود الجيش العائلي وتركوا شركائهم في صنعاء وذهبوا إلى مران للتشاور على إسقاط النظام وأركان الدولية!!

حاكموا عبد الرحمن العماد أحد مؤسس حركة الإخوان المسلمين ومن بعده الديلمي والانسي والشيخ الذي منحهم الخُمس قبل وفاته وبقية القيادات المعتقة وهي من العترة والسلالة، حاكموا من باع سلاح الثوار أو قام بتخزينها، وكل هذه قضايا تستحق المحاكمة.

حاكموا الشهيد محمد محمود الزبيري وحاكموا من قتله بالمناسبة هو (خال) زيد يحيى زيد الذاري، حاكموا من قتل (علي عبد المغني) مهندس الثورة اليمنية، حاكموا الشهيد الراحل ابراهيم الحمدي صديق يحيى المتوكل واحد المقربين، حاكموا الشهيد صالح الذي قتل على يد الإمامة نفسها حاكموا الجميع قبل أن تنتفضوا لتعزية.

حاكموا الذين نسفوا مداميك الدولة في الساحات من القيادات المختَرقَة ثم تعالوا لنعيد معا كل الحسابات ونمسح التعازي والتهاني والإحضان والبوس والخنوع والعيش والملح والزبادي داخل الخيام وكل الذي تم من مؤتمر الحوار الوطني وما قبله وما بعده، حاكموا أمل الباشا وابتسام أبو دنيا وعلي البخيتي وكل من المحسوبين على الصف الجمهوري من الهواشم.

حاكموا من ترك رفاقه من الحميريين ثم أعلن الاذان فاتحاً صدره لجمهورية جديدة بمقاسات شلة يقولون انهم من آل البيت، ومن نهب الأموال واتجه نحو الخارج لبناء المشاريع وفتح الاستثمارات ومن لا زال باسم الجمهورية والوطنية ينخر الوظيفة العامة ويسرق الكحل من عين الغلابة.

في 2016 نجوت وزوجتي وأخي وأولاد أخي من الموت بأعجوبة حين اخترقت ثلاثة رصاصات سيارتي الأجرة من قبل الحوثيين في إحدى النقاط الأمنية منطقة سواد حزيز جوار (معسكر السواد)، ولم نجد من ينصفنا، حينها تذكرت من يسقطون كل يوم على يد هذه الآفة ممن آمنوا بأن هؤلاء مجاميع مارقة كافرة بالحياة، عكس الذين أمَّنوا حالهم وارصدتهم بدون خجل ويخشون انتهاء المعركة.

وصلت القاهرة 2018م للعلاج، ولا ظهر لي إلا ظهري وأسرتي، في حين كانت وظائف (الجمهورية الوليدة) تتنقل بين فلان وعلان من العائلات المالكة والأحزاب المنتشية وتوزع المناصب والملاحق والإدارات على كل من هب ودب، من الجنوب والشمال توزعت على سفارات العالم مؤهل بعضهم أنه أو أنها بنت فلانة وصاحبة فلان أو زوجة علان.

وصلت القاهرة هروبا من واقع كان قد تعقد، استجابة لتوسلات خالي الذي توفي بعد رحيلي ب 4 اشهر وكانت فاجعة، غادر خالي الوحيد وهو صائم في حادث سير مع ابن عمه وصديقه وهو ينتظر ولادة الدولة المدنية الحديثة، وتحت إلحاح والدي وشقيقاتي بعدم العودة على اعتبار أنني روح العائلة ورَجُلها الذي يكتفي في معظم الأيام بتوزيع المشاعر والعبارات المنمقة التي لا تغني ولا تسمن؛ حين تجف محفظة الجيب الخلفي، وحتى لا يروني أسير حرب تم اعتقاله من الشارع أو شهيد رصاصة طائشة، مع ايماني المطلق بأن الموت حق وليس له وطن.. وقد شاهدته أكثر من مرة وباكثر من صورة.

لا أمتلك أي حسابا بنكي وهذا إقرار مني بالذمة المالية لو قدر الله وتم تعييني في مكان في دولة رئيس الحكومة الجديد، رأس مالي رأسي وما اتقاضاه من عملي ونشاطي أوساط الوافدين والجالية.

حاولت أن أقف على قدمي مارست مهنة الصحافة بشكل رسمي وأنا الذي كنت اعتبرها شيء ثانوي بالنسبة لطموحاتي، مريت بظروف كنت بفضل الله أكبر منها وبفضل اهلي الذين لم يتخلوا عني، كان طموحي أنا أدرس ماجستير على أقل تقدير وأنا من عشاق القراءة والبحث لكن كان هناك كاهل مثقل بالهموم وحواجز كبيرة.

لم أطرق في حياتي باب مسؤول ولا نافذة تاجر ولا أبواب سلطة، كنت احلم مثل أي مواطن أن يكون له بقعة في الهيكل الإداري للدولة لكني في الوقت نفسه كنت اعي جيدا أنني سأكون نسرا يحوم حول جيفة خاصة في هذا الظرف، رغم أنه من حقي وكنت أعي أن ملايين الناس التي تعاني نتيجة هذا التسطيح والوعي، والتعامل مع الوظيفة العامة والمال العام والمشروع الوطني الكبير الذي لا تهزه تعزية ولا سفرية مدير مركز ثقافي إلى صنعاء للقاء أهله أو القيام على جنازة أبيه لتقوم الدنيا ولم تقعد باسم الوطنية.

حاكموا من باع أكثر من ثلاثين ألف جواز ديبلوماسي منذ 2015 حتى 2025 وحاسبوا أيضا رؤوساء الوزراء المتلاحقين من صدعوا رؤوسنا أنهم بناة التغيير ونهبوا ملايين الدولارات وعقاراتهم اليوم تعج بها العواصم العربية والعالمية.

والله انني أخجل عندما أرى الناس تموت من سياط الحر ولهيبه في عدن وحضرموت وأبين ولحج وتهامة وتعز فيما تشير التقارير لوجود فساد بملايين الدولارات في الادراج وأروقة المحاكم.

أنا هنا أدافع عند فكرة الحياة وعن كثير من مقاصدي وطباعي، ولا أعني معاتبة أو استجداء أحد لكن ما يحز في النفس هو منح بعض القشور وطنا وجدلا غير مجدي علينا أن نكون أكبر من السلالة ومن القتلة الذين ينتمون إليها وهم واضحون، واكبر من فكرة الاقيال وأن نكبر بالوعي العميق لا الشعارات التي سقطت حين أسقطنا بنيان البلد.
يقول تعالى: “افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض” صدق الله العظيم.

* الصورة أدناه شاهد من شواهد الجمهورية المندثرة، وعلامة فارقة لمفارقات لا تزال محل جدل.. كيف فرطنا وكيف منحنا الإمامة قفزة لم تكن تحلم بها؟!!.

تعليقات