أكثر من 210 أيام، مرت منذ اختطفت الميليشيات الحوثية الكاتب والصديق العزيز محمد دبوان المياحي من منزله بصنعاء المختطفة التي حولتها هذه المليشيات إلى سجن كبير لأي صوت لا يسبح ويهلل للسلالة النازية.
30 أسبوع، وسياط الجلاد السلالي تحاول إسكات فلسفة المياحي. المياحي الذي لم يكن مجرد كاتب، بل روحاً متمردة، وناراً جمهورية تلفح عبودية من حولها بذلك الصوت الذي يبدو منفعلا حتى في لحظات الهدوء، ينهل من نيتشه كما ينهل من وجع بلاده، ويملك تلك القدرة النادرة على ايجاد الجانب الخيّر في الناس، حتى في أولئك الهمج القادمين من سراديب الخراب وأقبية اللعنة.
لا أتخيله إلا وهو يلقي دروس الوطنية في وجه رخاص الرخاص السجانين، محركاً يديه المقيدتين، كما لو أنه يشق بهما طريقاً نحو المعنى، ولست متأكداً إن كان سيغني مقطع أغنية وطنية لأيوب بعد نقاش مرهق مع جلاديه المجرمين كما يفعل مع اصدقائه، لكني أعلم أنه سيظل يحاور، حتى وإن أُغلق الباب في وجه صوته.
منذ أشهر، وأنا أحاول الكتابة عنه، الكلمات تخونني، والمعاني تتبعثر، أكتب كثيراً ثم أمزق كل شيء، لم أجد من أثق بذائقته الأدبية -من خارج العائلة طبعا- كما كنت أثق بمحمد المياحي، كان يصحح أي خطأ بأسلوب خفيف، كما لو أنه يزيل بعض الغبار فقط، ومع ذلك، تصبح الجملة أنقى، والنص أقرب للمثالية.
أنا آسف، يا محمد دبوان آسف لأننا خذلناك، لم نكن على قدر صداقتك، كنا فقط على قدر مؤلم من الجبن، جعلناك موضوع حديثنا لأيام معدودة، ثم عدنا إلى اعتيادنا، وكأنك لم تكن بيننا يوما، آسف نيابة عن أولئك الذين تعلّموا صياغة الحرف على يديك، ثم تحولوا لأدوات تلميع لسجانيك، عن قصد أو بغير قصد.
آسف نيابة عن الذين وقفت لأجلهم تدافع من وسط العاصمة المختطفة، فخذلوك بالصمت، آسف عن زملائك الذين طبعوا تعليقاتهم على كل مقال لك، ثم نسوك حين مُسحت صفحاتك من على وسائل التواصل. آسف بقدر عجزنا، وخذلاننا، وصمتنا… يا صاحبي.
آسف كثيراً وهذه “بسم الله أول عودي” باسمك لجمهورك ومحبيك…