منبر حر لكل اليمنيين

سجال بين نبيل الصوفي وعادل الشجاع وقراءة حول ما يجري من أحداث

نبيل الصوفي - عادل الشجاع

نبيل الصوفي – عادل الشجاع::

مع مؤشرات انهيار الجيش أمام الحوثي بسبب رؤية وادارة تحالف الرئيس عبدربه منصور والاخوان واطراف ثورة 2011، قدم الرئيس علي عبدالله صالح مبادرة جديدة للسفير السعودي السابق “علي الحمدان”.
في اخر زيارة للسفير اوصل له رسالة من الملك عبدالله عن شكوى هادي ان صالح يمنع الجيش عن تنفيذ توجيهاته، وطلب منه عدم التدخل وترك هادي يواجه الحوثي بالقوة.

وكان رد الرئيس الصالح ان هادي بعثر الجيش كله، وبالنص قال له “اسقط الجيش كان جيشي والا جيشه”. سواء بقرارات التغيير الثورية أو بالتخلي عن الجيش بوصفه جيشا عائليا .
مواجهة الحوثي كانت واجبة في كتاف، لكنه لم يصدر أي توجيه للجيش يمكن النقاش حول ان الجيش نفذ او لم ينفذ “مافيش اي قرار”..

تضمن مبادرة الزعيم جولة أخرى مستندة للمبادرة الخليجية، يجتمع فيها اطراف المبادرة الخليجية مرة أخرى ويضاف لهم هذه المرة الحوثيون والحراك الجنوبي.

قال الزعيم: نشكل مرجعية جديدة ونعيد ترتيب اوراق الجيش كضامن يمنع أي طرف من التحرك المسلح.

وبعد وفاة الملك عبدالله استدعى الاشقاء في المملكة احمد علي من الامارات حيث كان سفيرا فيها، وطلبوا منه اعادة تفعيل الحرس الجمهوري وخوض الحرب ضد الحوثي، وابلغ احمد الرسالة للزعيم، وكان رده مذكرا بالمبادرة الاخيرة، “وين هو الحرس الجمهوري اللي يتكلمون عليه؟، اسقطه هادي وعاد الحوثي في صعدة”.. ترعى المملكة اتفاقا جديدا للاطراف السياسي وتترك الفرصة للجيش يعيد ترتيب نفسه كضامن للجميع بمافيهم الاصلاح والحوثي.

وللأسف كان الزعيق سيد الموقف، من هادي وتحالفاته في الاحزاب وممثلي الثورة.
كل مايقولوه: الحوثي صنيعة صالح، جيش صالح هو اللي يحارب..
وجمل كثيرة من الزعيق لاتزال هي الثابتة في منهج الطرف الوريث للثورة والنظام والذي كلما زاد ضعفا على الارض ارتفع صوت ضجيجه وصراخه.

اليوم جنوبا، نقول لهم: اتركوا المجلس الانتقالي يرتب اوضاع الجنوب امنيا وعسكريا، ولنعمل جميعا على تطبيع الحياة السياسية المدنية داخل الشرعية والتحرك شمالا لتحرير صنعاء.
فيقولون لنا: اسقطتم صنعاء بيد الحوثي واليوم تسقطون الجنوب بيد الانتقالي.
كيف اسقطنا؟
انتم من كان حاكما، وانتم لاتزالون ترتكبون نفس الحماقات التي توصلكم للهزيمة مرة بعد مرة بعد مرة.
ونصحناكم ولانزال.. العبث بأمن الجنوب هزيمة لنا ولكم، دعوا الجنوب يستقر بالتفاهم على تحرير الشمال قبل ان ندفع جميعنا ثمن خطاياكم القاتلة بالفوضى جنوبا بعد ان دفعناها جميعا بالفوضى في الشمال.

نبيل الصوفي

****

ما طُرح هنا ليس قراءة سياسية، بل تبرير صريح لاستبدال الدولة بمنطق المليشيا، ومحاولة تحميل طرف واحد مسؤولية عقدٍ كامل من الانهيار بينما يتم القفز عمدًا فوق الحقائق الصلبة التي يعرفها الجميع.

جوهر المشكلة ليس في “من أسقط الجيش” أو “من لم يواجه الحوثي” بقدر ما هو في الإصرار المتكرر على تجاهل الدولة كمؤسسة شرعية جامعة، وتقديم مشاريع الأمر الواقع كبديل عنها.

أولاً: الشرعية ليست رأيًا… الدولة ليست خيارًا ثانويًا

عندما يتم الحديث وكأن الشرعية “تفصيل يمكن تجاوزه”، ويتم تصوير المليشيات – شمالًا أو جنوبًا – كأنها البديل الطبيعي، فهذه ليست سياسة؛ هذا نسف صريح لمنطق الدولة.
الدولة ليست حزبًا، ولا فصيلاً، ولا طرفًا ثوريًا.
الدولة هي الإطار الوحيد الذي يمنح:
•السلاح شرعيته،
•القرار السياسي مشروعيته،
•الأقاليم وحدتها،
•والهوية الوطنية معناها.

من يطالب بالعمل خارج الشرعية كمن يطالب بالسير خارج الطريق ثم يلوم الدولة لأنها لا توصله إلى مبتغاه.

ثانيًا: تحميل طرف واحد كل الخراب… هروب من الحقيقة

هذا الخطاب يتجاهل:
•أن الانقلاب الحوثي جريمة جماعية معقدة شاركت فيها أخطاء الانقسام السياسي، وتهوّر القوى، وصمت بعض النخب، وتضارب الأجندات الإقليمية.
•وأن انهيار الجيش لم يكن قرار شخص واحد، بل نتيجة تفكيك سياسي، وتدخل، وتحريض، وتصفية ممنهجة بدأت منذ ما قبل 2011 واستمرت بعده.

تبسيط المشهد بهذه الطريقة ليس تحليلًا…
بل محاولة لتحميل طرف واحد كل الشرور لتبرير شرعنة أطراف أخرى تعمل خارج الدستور.

ثالثًا: شيطنة طرف ومنح صك البراءة لآخر… ليست سياسة بل تحريض

كل من يرفع صوت “الزعيق” اليوم – كما وصف – إنما يعيد الدائرة نفسها:
نزع الشرعية عن خصومه، وتبرير تسليح جماعته، وتسويق مشروع جديد خارج مؤسسات الدولة.

وهذا هو التعريف الدقيق للفوضى التي أوصلت اليمن إلى ما وصلت إليه:
•في الشمال: جماعة مسلحة فرضت نفسها بقوة الأمر الواقع.
•في الجنوب: محاولة لفرض نموذج مشابه مع تغيير الراية فقط.

استبدال مليشيا بمليشيا ليس حلًّا… هو إعادة إنتاج الكارثة بثوب مختلف

رابعًا: الجنوب لا يستقر بالمليشيات… ولا الشمال يتحرر خارج الدولة

لا يمكن لمنطق يدّعي “العمل لتحرير صنعاء” أن يطالب في الوقت نفسه بتقويض الشرعية التي يفترض أن تقود هذا التحرير.
ولا يمكن لدولة يُفترض أنها موحدة أن تُدار بنموذج “كل منطقة وجماعتها” ثم نتوقع الاستقرار.

الجنوب يستقر بالإدارة المدنية، ودمج القوات تحت وزارتي الدفاع والداخلية، وبناء مؤسسات تحمي المواطن لا الفصيل.
والشمال يتحرر بجيش وطني موحد لا بولاءات متقاطعة.

من يريد تحرير الوطن يبدأ بتحرير القرار من الفصائلية لا العكس.

خامسًا: سقوط المثقف أسوأ من سقوط السياسي

أسوأ ما يمكن أن يفعله المثقف هو أن يبرر للأقوى على الأرض مهما كانت طبيعة قوته، وأن ينحاز للراية الأقرب إلى قناعته حتى لو كان الثمن سقوط الدولة نفسها.

المثقف الحقيقي يضع أمامه معيارًا واحدًا:

هل ما أدافع عنه يقوّي الدولة أم يمزّقها؟
هل يحمي السيادة أم يستبدلها بواقع القوة؟

من يشرعن “حلول ما قبل الدولة” يسهم في تمزيق ما تبقى من كيانها، مهما كانت نواياه.

الخلاصة:

من يريد إنقاذ اليمن لا يمكنه أن يبدأ بتقويض الشرعية، ولا أن يُبرر سلطة مليشيا في الجنوب لمواجهة سلطة مليشيا في الشمال.
الدولة ليست طرفًا يمكن تجاوزه، بل السقف الذي بدونه سنظل ندور في حلقة الدم، وتبادل الاتهامات، وبيع الوهم على حساب الوطن.

إنقاذ اليمن يبدأ بالعودة إلى مرجعية وطنية واحدة، وجيش واحد، وقرار واحد…
لا “حلولًا فصائلية” تُلبس الفوضى ثوبًا جديدًا وتسمّيها مشروعًا.

عادل الشجاع

*من صفحات الفيس بوك.

تعليقات