تعيش حضرموت اليوم لحظات فارقة لا تحتمل التبرير أو المجاملة، فالمؤشرات المتسارعة على الأرض تكشف بوضوح أن المحافظة تتجه نحو مسار خطير يعيد إلى الأذهان مشاهد الانفجار الذي ضرب عدن عام 2019، يوم انقلبت بوصلة المعركة من مواجهة العدو إلى اقتتال داخلي مزق ما تبقى من جسد الدولة، وما يحدث اليوم في حضرموت لا يختلف كثيرا عن تلك البدايات..
الحديث عن وصول ضابط سعودي “لتهدئة الوضع” لا يتسق مع الواقع، فالمشهد الميداني يظهر محاولات متكررة لتفريغ القوات الحضرمية من دورها، وتحييد قيادة بن حبريش، ودفع قوات بديلة—ومنها قوات درع الوطن—لأخذ موقعها الطبيعي كجزء من منظومة الأمن الحضرمي، بل إن ما يجري حول “المنطقة العسكرية الأولى” يشير إلى محاولات إحلال قوى تتبع أطرافا غير منسجمة مع الشرعية المعترف بها دوليا، ما ينذر بإشعال فتيل مواجهة جديدة قد تكون أكثر دموية واتساعا من سابقاتها..
على السعودية أن تدرك خطورة اللحظة
السعودية، بصفتها الدولة الراعية للشرعية والداعمة لعملية السلام، تتحمل مسؤولية كبيرة في ضبط الإيقاع العام داخل المناطق المحررة، وأي تهاون أو ازدواجية في التعامل مع القوى المتصارعة سيفسر بأنه ضوء أخضر للفوضى، وفتح أبواب صراع داخلي لن يبقي ولن يذر، فحضرموت ليست محافظة عادية، بل تشكل العمود الاقتصادي والأمني لليمن، وانفجارها سيجعل البلاد كلها أمام كارثة حتمية..
تجربة عدن المريرة يجب أن تقرأ جيدا:
حين تدار الاضطرابات بتجاهل، وحين توضع الشرعية جانبا لصالح جماعات مسلحة تعمل خارج مؤسسات الدولة، تكون النتيجة انهيارا كاملا للمعادلة السياسية، وانزلاقا نحو صدامات تبتلع الجميع..
الشرعية ليست خيارا… بل ضرورة وجودية
المجتمع الدولي اعترف بشرعية واحدة، وعلى الجميع احترام هذا الأساس إن كانوا يريدون سلاما واستقرارا، تفكيك مؤسسات الدولة أو تقويض صلاحياتها أو إحلال جماعات موازية مكانها لا يمكن تفسيره إلا على أنه عرقلة متعمدة للمسار السياسي والدبلوماسي، ودفع البلاد نحو الفوضى، وأي طرف يعمل خارج إطار الدولة—مهما كانت شعاراته—يجب التعامل معه كمعيق للسلام، وليس كشريك في بنائه..
حضرموت أمام خيارين… ولا ثالث لهما
إمّا أن تدار الأمور بعقلانية تحترم سيادة الدولة وحقوق أبنائها، وإما أن تترك المحافظة لموجة صراع ستأكل الأخضر واليابس، وستمتد آثارها إلى ما هو أبعد من حدود حضرموت، والأخطر من ذلك أن الشعب اليمني لم يعد يحتمل حربا جديدة داخل حرب قائمة منذ سنوات أنهكت كل بيت وكل أسرة..
نداء أخير للجميع
إلى القيادات اليمنية بلا استثناء، وإلى الأشقاء في السعودية، وإلى القوى المحلية في حضرموت:
إن النار إذا اشتعلت لن تميز بين طرف وآخر، ولن ينفع الندم بعد أن تسقط أول شرارة، اتخذوا موقفا جادا، واضحا، مسؤولا، يحترم الدولة وشرعيتها، ويمنع تكرار ما حدث في عدن، فهذه المرة… ثمن الخطأ لن يكون انفلاتا موضعيا، بل انهيارا شاملا سيدفع ثمنه اليمن كله..