الشبيبي يكتب عن: كوكبُ الصين.. عبقُ التاريخ، صياغةُ الحاضر ورسمُ المستقبل
فيصل الشبيبي
فيصل الشبيبي – الصين/
يقول الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس: “مجدُنا الأعظم ليس في عدم السقوط أبدًا، بل في النهوض في كلِّ مرةٍ نسقط فيها.”
وقد تحوّلت هذه الحكمة إلى جوهرٍ راسخ في الوعي الصيني، وإلى منهج حياة تتوارثه الأجيال، فالشعب الصيني لم يكتفِ بتجاوز المحن التي مرّ بها عبر تاريخه، بل جعل من كل تحدٍّ فرصةً جديدة للانطلاق. ورغم ما واجهه من حروبٍ وضغوط ومكائد هدفت لإضعافه، ظلّ متمسكًا بعزيمته، ناهضًا في كل مرة بقوة أكبر وإرادة أصلب.
وهكذا استطاع أن يعيد صياغة واقعه، وأن يحوّل الطموح إلى منجزات ملموسة، حتى غدا وطنه قويًا ومتقدّمًا يُشار إليه بفخر، ومقصدًا للتجّار والسيّاح والسياسيين والمثقفين، يستكشفون تطوره، ويتعرفون على جذور حضارته.
تطوّر يتسابق مع الزمن
للمرة الثالثة، أزور هذا البلد العريق، خلال 11 عامًا، وبين كل زيارةٍ وأخرى، أجد فرقًا شاسعًا في حالة التطور الكبير على مُختلف الصُعد، أجد أن خلف كل زاوية في هذا البلد، قصة نجاح عظيمة يجب أن تُروى، وكأن الزمن هنا يتسابق مع الطموح، فلا يكاد العام يمضي حتى تُبهرني إنجازات جديدة، ومشاريع أضحت واقعًا بعد أن كانت أحلامًا. أرى في وجوه الناس روحًا لا تهدأ، وإيمانًا عميقًا بأن الغد أجمل، وفي تفاصيل الشوارع نبضًا يروي حكاية أمة تسير بثبات نحو مستقبل يليق بتاريخها.
هنا، لا يقتصر التطور على العمران وحده، بل يمتد ليطال الفكر، والثقافة، وطريقة الحياة نفسها، حتى تغدو كل زيارة شهادة جديدة على أن هذا البلد لا يعرف التراجع، بل يصنع من كل يوم قصة نجاح أخرى
القيم المشتركة بين الحضارتين العربية والصينية
رحلةٌ غنيةٌ بالمعرفة والمعلومات كسابقاتها، لكن جمالها الأكبر يكمن بموضوعها وهو الحوار بين الحضارتين العربية والصينية، وترسيخ وتعزيز القيم المشتركة فيما بينها، بما ينعكس على العلاقات المستقبلية، فعلى الرغم من المسافات الواسعة والاختلافات الطبيعية بين الحضارتين، إلا أن القيم المشتركة بينهما أكبر مما يبدو، فهما حضارتان تمجّدان الأسرة، والعمل، والعلم، والتقاليد، والانسجام الاجتماعي والتسامح. هذه القيم كانت أساسًا لنجاحهما عبر التاريخ، وهي اليوم تُشكّل جسرًا مهمًا للتقارب الثقافي والإنساني بين الشعوب العربية والصينية في عالم يتجه نحو شراكات أعمق وتفاهم أكبر.
بناء الإنسان، قبل البنيان
اهتمت الحكومات الصينية المتعاقبة، ببناء الإنسان، قبل البُنيان، وجعلت منه أولوية وطنية، كون بنائه هو الأساس في بناء الدولة والمجتمع، من خلال التعليم والتدريب والتأهيل في جميع المجالات، وخاصةً التدريب المهني الذي أصبح الركيزة الأولى في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وصولاً إلى التطور التكنولوجي الكبير، الذي يشهد تطورًا متسارعًا ومذهلا في الوقت نفسه.
ريادة الطاقة المتجددة
قطعت الصين شوطًا هائلاً فيما يتعلق بالطاقة النظيفة والمتجددة، وأصبحت أجواؤها نظيفةً وخالية من أي تلوث وانبعاثات كيميائية، رغم الطفرة الصناعية الهائلة التي تشهدها بفضل سياسة الاتجاه نحو الطاقة المتجددة، وهو ما جعل مدنها تبدو أكثر تناغمًا بين التقدّم الصناعي والحفاظ على البيئة. فقد استثمرت بكثافة في تقنيات الرياح والطاقة الشمسية، وشيّدت شبكات عملاقة لنقل الكهرباء النظيفة، حتى باتت نموذجًا يُحتذى به في كيفية توظيف التطور لخدمة الإنسان والطبيعة معًا.
ما يُميّز الأصدقاء الصينيين أنهم حين يُنظّمون فعالية ثقافية أو سياسية تربط بين الحضارتين العربية والصينية، يجعلون من الزيارة برنامج عمل مكثفًا، للاطلاع على حضارة وتاريخ هذا البلد العريق، ويمنحون الضيف الفرصة الكافية ليشاهد ويطلع بنفسه على عراقة هذا البلد التاريخية، والنهضة الواسعة في جميع المجالات.
حضور القيم والسلوك الحضاري
كما أن ما يميزهم أيضًا، هو استعراض المراحل الزمنية التي مرت بها الصين بكل شفافية، دون النظر إلى الصعوبات التي واجهتها في الماضي القريب، نتيجة حرب التحرير من الاحتلال الياباني، أو معركة الأفيون التي واجهتها بضراوة، أو الحرب الأهلية، حتى إعلان الجمهورية في 1 أكتوبر 1949، وصولاً إلى النهضة عام 1978، وانتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح التي بفضلها وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم وازدهار.
الزائر لهذا البلد العظيم يجد عالمًا آخر وكأنه في كوكب جديد، كله عملٌ وأمل، جِدٌ واجتهاد، بناءٌ ونماء، كرمٌ ولُطف، وهدوء واحترام متبادل سواءً فيما بينهم أو مع الآخرين، وهكذا هي البلدان الحضارية لا تنسلخ عن قيمها الإنسانية، بل تجعلها جسرًا نحو تقوية الروابط، ومتكأً للانطلاق نحو المستقبل.
وفي كل زاويةٍ يلمس الزائرُ رونقَ حضارةٍ صاغتها قرونٌ من الحكمة والعمل الدؤوب، حضارةٌ تعرف كيف تُوازن بين أصالة الماضي وابتكار الحاضر. فالناس هنا لا يكتفون بالمظاهر، بل يحملون في تعاملاتهم فلسفة احترام الإنسان أيًّا كان، واعتبار الضيف امتدادًا لروح المكان.
وحين يتجوّل المرء بين شوارعهم الهادئة، وأسواقهم المنظمة، ومراكزهم التي تنبض بالحياة، يدرك أن هذا الازدهار لم يأتِ صدفة، بل هو ثمرة وعي جمعي وإيمان راسخ بأن الرقي الحقيقي يبدأ من الداخل قبل أن يظهر في العمران. هكذا تتجلى الحضارة الحقيقية، في سلوكٍ راقٍ، وابتسامةٍ صادقة، ويدٍ تبني مستقبلًا يليق بكل مَن يمر على هذه الأرض.
بكين، شيان، وجوانزو.. صفحات من التاريخ والحاضر
شملت الرحلة التي استمرت عشرة أيام ثلاث مدن، هي العاصمة “بكين”، ومدينة “شيان” العاصمة القديمة للصين، ومدينة “جوانزو” إحدى أكبر وأهم المدن التجارية فيها، وكل واحدة منها أجمل من الأخرى وتحمل ألف حكاية وحكاية.
بكين.. قلب السياسة ومركز الحوار
البداية من “بكين” التي احتضنت الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية بمشاركة مائتي عضو يمثلون العرب والصينيين، وبحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور أحمد أبو الغيط ومساعده الدكتور حسام زكي ومن الجانب الصيني السيد ليو هايشينغ وزير دائرة العلاقات الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ومساعده السيد جين شين، ورأس وفد اليمن، الدكتور عبدالله أبو العيث نائب رئيس مجلس الشورى حيث عُقد المؤتمر يومي 17- 18 نوفمبر وخرج بإعلان بكين الذي تضمن وضع خارطة تعاون عملية تشمل: تبادل الخبرات في الحكم والإدارة، حماية التراث والآثار، دعم الصناعات الثقافية، تعزيز التعاون الجامعي والبحثي، إطلاق برامج لتأهيل وتمكين الشباب، وتفعيل منصات الحوار مثل “المركز الصيني العربي لمبادرة الحضارة العالمية”.
كما تضمن الإعلان، التأكيد على العمل على حسن تنظيم الدورة السادسة لمهرجان الفنون العربية، والإسراع في إنشاء مركز الدراسات الصيني العربي للتعاون الثقافي والسياحي، ودفع التعاون بين الجامعات الصينية والعربية في إعداد الكفاءات والتبادل الأكاديمي، بالاضافة إلى دعم تعليم اللغة الصينية في الدول العربية.
على ذات الصعيد، قُدمت محاضرة من السيد ” يو وي ” نائب مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال إفريقيا في دائرة العلاقات الخارجية، تناولت القيم المشتركة بين الحضارتين العربية والصينية، مؤكّدًا أن التقاء الحضارتين ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لتاريخٍ طويل من التفاعل الثقافي والتجاري والفكري. فقد استعرض في محاضرته أبرز القيم التي تجمع الجانبين، مثل الرحمة، العدالة، احترام الآخر، الأمانة، وتعظيم الروابط الأسرية، والإيمان بأهمية العمل والانضباط، والسلام، والتمسّك بالحديث المسؤول والحكمة في اتخاذ القرار وغيرها من القواسم المشتركة.
كما أشار إلى أن هذه القواسم تُشكّل أساسًا متينًا لتعزيز التعاون المعاصر بين العالم العربي والصين، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل أيضًا في مجالات الثقافة والتعليم والتواصل الإنساني. وختم مؤكّدًا أن المستقبل يحمل فرصًا واعدة، ما دامت هذه القيم حاضرة وفاعلة في وجدان الشعوب.
وفي بكين أيضًا زرنا أحد أهم معالمها التاريخية ” المدينة المُحرّمة” التي سميت بهذا الاسم لوجود نهر صناعي يسمى “نهر هو تشنغ” يُحيط بها من جميع الجهات لحمايتها من أي هجوم عرضه 52 مترًا وتم بناؤها قبل أكثر من 600 عام، وتحتل هذه المدينة مساحةً تقارب 720,000 م². ويبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال 960 مترًا وعرضها من الشرق إلى الغرب 750 مترًا. ويصل إجمالي مساحة مبانيها إلى أكثر من 150,000 م²، يضم المجمع أكثر من 800 مبنى وحوالي 8700 غرفة، يحيط بالمدينة المحرمة سور يبلغ ارتفاعه 10 م، وعلى كل ركن من أركان السور المحيط بالمدينة المحرمة مقصورة جميلة ورائعة، وكانت هياكل هذه المقصورات معقدة للغاية ، فهي مكونة من تسع دعامات وثمانية عشر عمودًا واثنتين وسبعين دعامة فرعية.
كما زرنا متحف الحزب الشيوعي الصيني الذي يقدّم سردًا شاملًا لمسيرة مائة عام من الكفاح والنضال، موثّقًا التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب الصيني خلال مختلف المراحل التاريخية، ويعرض محطات رئيسية من تأسيس الحزب، مرورًا بالحروب والمرحلة الثورية، ثم مسار البناء والإصلاح وصولًا إلى العصر الحديث. وتبرز المعروضات – من وثائق تاريخية وصور ومواد أرشيفية ومجسّمات – التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد، والتي أسهمت في تطور الصين إلى دولة ذات حضور اقتصادي وعلمي وعسكري بارز على الساحة العالمي.
كما زار الوفد المتحف الوطني الصيني في بكين الذي يقع في الجانب الشرقي من ميدان تيانانمن، ويُعد واحدًا من أكبر المتاحف في العالم بمساحة تقارب 200,000 م². تأسّس رسميًا عام 2003 من اندماج متحفين (تاريخ الصين والثورة الصينية)، ويضم أكثر من مليون وأربعمائة ألف قطعة أثرية تشمل برونزًا، خزفًا، وثائق فنية، من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث، ويحتوي المتحف على حوالي 48 قاعة عرض توثق تاريخ الصين الحضاري والسياسي.
وكذلك المنطقة الابتكارية لمجموعة CVTE التكنولوجية في بكين المتخصصة في صناعة “الروبوتات” الذكية، واستخدامها في الطب بما في ذلك زراعة الأسنان، وإجراء عمليات جراحية مثل زراعة مفصل الرُكبة وغيرها.
كما قمنا بزيارة قاعة السيارات ذاتية القيادة، حيث أصبحت هذه التكنولوجيا جزءًا محوريًا من رؤية الصين المستقبلية للنقل الذكي، وشاهدنا عرضًا عن أحدث نماذج السيارات الروبوتية، التي تعمل بأنظمة متقدمة للذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية، وتمكّنها من التنقل بأمان دون تدخل بشري.
وأتيحت للزوار فرصة التعرف على البنية التحتية الذكية الداعمة لهذه المركبات، بما في ذلك إشارات المرور الذكية، وأنظمة التواصل بين السيارة والطريق، والبرمجيات التي تضمن السلامة وتفادي الحوادث.
شيان.. مهد الحضارة الصينية
انتقلنا عبر الطائرة، إلى مدينة “شيان” عاصمة الصين القديمة، نقطة الانطلاق الشرقية لطريق الحرير القديم، والتي تُعتبر متحفًا مفتوحًا للتاريخ الصيني، وفيها يُصاغ الحاضر كونها من أهم المدن تكنولوجيًا حيث يوجد بها أكثر من مائة جامعة، ومئات المعاهد المهنية والتقنية، الكثير منها مختص بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة الحديثة وخاصةً ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
كما يوجد فيها، مجمّع رقمي بارز صُمّم على شكل “0 و1” (لغة الكمبيوتر)، ويضم قاعة عرض تفاعلية، وصالات تجربة لعرض تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وسينما ثلاثية الأبعاد بدون نظارات، مما يجعله مركزًا رقميًا وثقافيًا يجمع بين الابتكار التقني والتطور الرقمي.
وكذلك ثاني أكبر فرع ومجمع لشركة “BYD” عملاق صناعة السيارات وبطاريات الليثيوم والطاقة المتجددة التي بلغ إنتاجها للسيارات عام 2024 أكثر من أربعة عشر مليون سيارة.
ومن أبرز معالم مدينة شيان متحف جيش التيراكوتا، الذي يُعدّ أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين. يضم هذا المتحف آلاف التماثيل المصنوعة من الطين تمثل الجنود والخيول والعربات الحربية، والتي صُممت بعناية فائقة لتقليد الجيش الحقيقي.
كوكب الصين
دُفن هؤلاء الجنود لحراسة قبر الإمبراطور تشين شيهوانغ، أول إمبراطور موحد للصين في عام 221 قبل الميلاد، ويعكس هذا الاكتشاف العمق الفني والتقني للحضارة الصينية القديمة، كما يقدم للزائرين لمحة عن التنظيم العسكري والهندسة المعمارية والتقاليد الجنائزية في تلك الحقبة التاريخي ومتحف شيان العريق الذي افتُتِح في 2007 م وبلغت تكلفة إنشائه نحو 70 مليون دولار بمساحة إجمالية تبلغ 160,000 م²، ويتألف من المبنى الرئيسي للمعارض ومعبد جيانفو وبرج الحيّة البرية الصغيرة من عصر تانغ، إضافة إلى الحدائق المحيطة، ويعكس تصميمه مفهوم “سماء دائرية وأرض مربعة”.
يضم المتحف قرابة 130,000 قطعة أثرية من البرونز والذهب والفضة والسيراميك والكتب القديمة، منها أكثر من 14,400 قطعة مهمة، إضافة إلى نحو 10,000 لوحة وخطّ، وينظم معارض دائمة عن تاريخ شيان وسلالاتها ومعارض خاصة ومؤقتة، كما يحتوي طابقًا تحت الأرض لعرض مكتشفات الحفريات وأختام قديمة، مع اعتماد تقنيات رقمية لتعزيز التجربة وفهم التراث.
إضافةً إلى مسجد شيان الكبير، أحد أقدم المساجد في الصين، الذي شُيّد لأول مرة عام 742 م خلال عهد أسرة تانغ وأعيد بناؤه لاحقًا خلال أسرة مينغ. يقع المسجد داخل أسوار المدينة القديمة على مساحة تقارب 12–15 ألف متر مربع، ويتميز بتصميم يجمع بين الطابع المعماري الإسلامي والصيني التقليدي، من خلال أفنيته الأربعة وغرفه الـ72 وقاعة الصلاة الرئيسية المزخرفة بالنقوش الخشبية للقرآن بالخط العربي والترجمة الصينية. تحيط به حدائق مزروعة بأشجار الصنوبر والكاكا، ليشكّل رمزًا للتلاقي الثقافي بين الإسلام والتراث الصيني، ويجذب سنويًا عددًا كبيرًا من الزوار من المسلمين وغيرهم.
جوانزو .. مدينة التجارة العالمية
بعد ذلك، انتقلنا عبر الطائرة جنوبًا إلى مدينة “جوازنزو” عاصمة مقاطعة “غوانغدونغ” هذه المدينة المُذهلة، التي شهدت تطورًا هائلاً خلال العقود الأربعة الماضية، وأصبحت مركزًا تجاريًا عالميًا، وفيها زرنا مركز التطوير الحضري للمدينة، حيث قدموا لنا شرحًا بالصوت والصورة عن مراحل تطوير هذه المدينة، التي افتتح أول فندق خمسة نجوم فيها عام 1985، وأصبحت مساحتها اليوم 7234 كيلو مترًا مربعًا، وفيها مئات الأبراج والفنادق والمولات ومقار كبريات الشركات العالمية، والتي بلغ ناتجها القومي لعام 2024 ثلاثين تريليون يوان، ما يزيد عن أربعة تريليون ومائتي مليار دولار.
الصين من السماء.. لوحة متصلة
حين تتنقل جوًا بين مدن الصين، تظن أنك تحلق فوق مدينة واحدة، فهذا الكوكب مُرتبطٌ ومُتصلٌ ببعضه، قُراها كأنها لؤلوٌ منثور، ومدنها تمتدّ كخيوطٍ مضيئة لا تنقطع، كلٌّ منها يفتح ذراعيه للآخر، حتى تكاد لا تفرّق أين تبدأ مدينة وأين تنتهي الأخرى. من أعلى، يبدو لك المشهد كنسيجٍ واحد حيّ، تتداخل فيه الطرق والجسور والأنهار، كأنها شرايين في جسدٍ عملاقٍ نابض بالحياة، يحدّثك بأن هذا الاتساع ليس تكرارًا، بل تنوّعٌ مذهل داخل وحدةٍ مدهشة.
من الشمال البارد إلى الجنوب الدافئ، ومن الأنهار المتدفقة إلى القمم التي تخترق الغيوم، ترى الصين لوحة طبيعية استثنائية تجمع بين الروعة والهدوء، والعراقة والتنوع. إنها بلد لا تكتفي بأن تُدهشك بمناظرها، بل تجعلك تشعر بأن الطبيعة هناك تتنفس تاريخًا وروحًا وعمقًا لا يُنسى.
رحلة جميلة وممتعة، تعرفنا خلالها على عدد محدود من معالم هذا البلد العريق الغني بموروثه وجمال طبيعته الساحرة وثقافته الواسعة، ومن أجمل مكاسب هذه الزيارة، التعرف على أشقاء جدد من 22 دولة عربية، حيث كانوا نعم الأصدقاء والرفاق في هذه الرحلة.


