منبر حر لكل اليمنيين

اللجنة الخاصة ودورها في اليمن: قراءة تحليلية في سياق تاريخي وسياسي

د. عادل الشجاع

يعد الدور السعودي في اليمن واحدا من أكثر الملفات تعقيدا في المنطقة، بحكم الامتداد الجغرافي والتداخل القبلي والمصالح الأمنية العميقة، ومن بين الأدوات التي يشار إليها كثيرا في التحليلات السياسية ما يعرف بـ “اللجنة الخاصة”، وهي آلية ارتبطت بإدارة علاقات الرياض مع فاعلين يمنيين عبر عقود، خاصة في فترات ضعف الدولة المركزية، حيث كانت وسيلة لبناء شبكات نفوذ محلية، ساهمت في إعاقة تشكل دولة حديثة مستقرة..

منذ ستينيات القرن الماضي، ومع تحولات اليمن السياسية بين النظام الملكي والجمهوري، سعت السعودية إلى بناء قنوات نفوذ فاعلة لضمان بيئة آمنة على حدودها الجنوبية، فكانت اللجنة الخاصة معنية بإدارة العلاقات القبلية والشخصيات المحلية المؤثرة من خلال الدعم المالي والسياسي، في إطار استراتيجية تهدف إلى:
1.احتواء التهديدات المحتملة على الحدود.
2.خلق حلفاء محليين قادرين على ترجيح كفة التوازن الداخلي لصالح توجهات الرياض.
3.تأمين بيئة سياسية تمنع قيام نظام قد ينظر إليه على أنه معاد أو غير متوافق مع المصالح السعودية..

كان لهذه اللجنة تأثير واسع امتد لعقود، وأصبح جزءا من البنية السياسية اليمنية غير الرسمية.

إلا أن الاعتماد على شبكات الولاءات القبلية والشخصية كان له أثر مزدوج:

على المستوى السياسي
أضعف المؤسسات الرسمية وعزز منطق “الولاء الشخصي” على حساب بناء مؤسسات دولة فاعلة، وعلى المستوى الاجتماعي هذه التحالفات المتغيرة خلقت حالة من التشرذم بين القوى المحلية بدل توجهها نحو مشروع وطني موحد!.

استمرار مثل هذه الأدوات أعاق تراكم الدولة الحديثة، أو على الأقل لم يدعم جهودها بما يكفي خلال فترات التحولات الكبرى، مثل مرحلة الوحدة أو ما بعد 2011..

بعد 2015، ومع التحولات العسكرية العنيفة وتعدد القوى داخل اليمن، أعادت السعودية ترتيب أدوات نفوذها، ليس عبر الدولة بل، عبر فاعلين جدد، مثل القوات المسلحة الجديدة، المجلس الانتقالي، جماعة الحوثيين، وقوى اقتصادية ناشئة..

وهنا يبرز سؤالا، ماهي مخاطر غياب الدولة اليمنية على الاستقرار السعودي المستقبلي؟ الإجابة تقول، إن غياب دولة يمنية مركزية يعني حدودا رخوة، يزيد معها نشاط التهريب، الجماعات المسلحة، والهجرة غير المنظمة، فالبيئة الأمنية المضطربة ستؤثر على قدرة السعودية على الاستثمار، ما يجعل وجود دولة مستقرة في اليمن أفضل للسعودية من التعامل مع مليشيات متصارعة..

بين إرث الماضي ومتطلبات المستقبل

تاريخ العلاقة السعودية–اليمنية معقد ولا يمكن اختزاله في دور “اللجنة الخاصة” فقط، لكنه مثال واضح على اعتماد سياسات نفوذ تقليدية كانت مناسبة لمرحلة معينة، إلا أنها لم تعد ملائمة مع متطلبات الأمن والاستقرار الإقليمي اليوم..

المنطق الاستراتيجي الجديد يقول، إن مصلحة السعودية طويلة المدى تكمن في دولة يمنية مستقرة، ذات مؤسسات قوية، لا في شبكات ولاءات ظرفية قد تؤجل الأزمات ولا تعالج جذورها..

وأن بناء الدولة في اليمن لم يعد خيارا يمنيا فحسب، بل أصبح جزءا من أمن السعودية الإقليمي والمستقبلي، وربما حان الوقت لإعادة صياغة الأدوات والسياسات بما ينسجم مع هذه الحقيقة الجديدةالتي تؤكد أن استعادة الدولة اليمنية أصبح مهما للسعوديين مثلما هو لليمنيين..

تعليقات