في كل مرة تتفاقم فيها الأزمة، تتوالى الاجتماعات باعتبارها إجراءً اقتصادياً، تصدر بيانات محكمة الصياغة، وتتراكم الوعود كما تتراكم السحب في السماء من دون أن تهطل.
وبينما تتحدث الجهات الرسمية عن برامج تعافٍ اقتصادي، يجد المواطن نفسه يُفسر هذه البرامج على أنها موسم جديد من الخطاب لا أكثر.
في القنوات الفضائية الرسمية والتابعة والمتبوع إجراءات صارمة، خطط طموحة، ولجان متخصصة.
وفي الشارع.. طوابير من المعاناة.
أسعار ترتفع كل أسبوع، ورواتب تُعد في الذاكرة لا في الجيب.
يُعلن عن استقرار العملة، بينما السوق يثبت العكس بوقاحة، ويُقال إن الحلول قادمة بينما المواطن يتساءل عن سبب ضياعها في الطريق.
هذه الفجوة بين الصوت والفعل أصبحت ملمحاً أساسياً لطريقة إدارة الحكومة للملف الاقتصادي. كأن الاقتصاد نفسه لم يعد قضية حياة يومية، بل مادة للبيانات الصحفية.
وكلما زادت التعقيدات، ارتفع منسوب الخطاب، وكأن الكلمات وحدها كافية لردم سنوات من سوء الإدارة.
المواطن في المحافظات المحررة لا يبحث عن معجزات خارقة، بل عن حكومة تتحدث أقل وتعمل أكثر، وتضع خططاً لا تتبخر، وتمتلك شجاعة التعامل مع الأزمات كمسؤوليات وليست عناوين.
يريد واقعاً يوازي الضجيج، ونتائج تعادل حجم الوعود التي تُروّج كل يوم.
في الخلاصة، ما يحدث ليس إدارة اقتصادية بقدر ما هو ظاهرة صوتية.
الحكومة بارعة في رفع مستوى الخطاب، لكنها تعجز عن رفع مستوى المعيشة. وما لم تنتقل من مرحلة البيانات إلى مرحلة الفعل، سيظل الاقتصاد عالقاً بين ضجيج حكومي وصمت شعبي مرهق ينتظر حياة يمكن أن تُسمع بلا صخب.