منبر حر لكل اليمنيين

ضعف الثقافة الوطنية في اليمن: من ضياع الحقوق إلى التحول لأدوات في صراع الآخرين

د. عادل الشجاع

في خضم الحرب المشتعلة منذ سنوات في اليمن، تتكشف حقائق مرة حول الأسباب العميقة التي أطالت أمد النزاع، وأبقت الوطن في حالة شلل تام، فمن بين أبرز هذه الأسباب ضعف الثقافة الوطنية لدى المواطن اليمني، وهو ضعف لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة تراكمات طويلة من التهميش والتجهيل الممنهج وغياب مؤسسات الدولة المدنية، ما جعل شريحة واسعة من الشعب عرضة للتضليل، وسهلة الانقياد خلف شعارات فارغة تخدم أطراف الصراع، لا الوطن ولا الإنسان..

لقد أدى هذا الضعف إلى ضياع الحقوق الأساسية للمواطنين، حيث لم يعد الناس يعرفون ما يجب أن يطالبوا به، أو من أين تؤكل كتف العدالة، فبدل أن ترفع الأصوات تطالب بالأمن، والخبز، والتعليم، والصحة، والكرامة، أصبحت تردد شعارات الطائفة، أو القبيلة، أو الجماعة، وتقدم دماء أبناءها قرابين على مذابح صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل!.

الأنكى من ذلك أن هذا الغياب للوعي الوطني جعل كثيرا من المواطنين يتحولون إلى حطب للمعارك، وأدوات تستخدم في الصراع ثم ترمى عند أول منعطف، لم تعد الحرب تدار فقط من قبل القوى المتصارعة، بل أصبحت تتغذي على دعم جماهيري أعمى يغذى عبر خطاب تعبوي يتفنن في صرف الأنظار عن جوهر القضايا إلى معارك جانبية تافهة تستنزف الطاقات وتقتل كل فكرة للتغيير الحقيقي..

ومع كل مبادرة للسلام، تقف جموع من الناس، مدفوعة بوعي مشوش، أمامها وكأن السلام خصم يجب الانتصار عليه، لقد تم تزييف الوعي الجمعي لدرجة أن الكثير من الناس باتوا يرون في استمرار الحرب “مصلحة”، ويخافون من السلام كما لو كان خيانة أو تنازلا!.

إن أخطر ما خلفته هذه الحرب ليس فقط الدمار المادي، بل الدمار القيمي والثقافي، حيث تم تقزيم مفهوم الوطن إلى جماعة أو فئة، وتحول الناس من مواطنين لهم حقوق وواجبات إلى رعايا في بلاط المتصارعين، لا يرون أنفسهم خارج دائرة الطاعة والانقياد!.

الحل: إعادة بناء الثقافة الوطنية من القاعدة

إذ لا يمكن الخروج من هذه المعضلة دون مشروع وطني ثقافي يكون أداة لبناء العقل، وليس لتفريغ الشحنات الطائفية أو المناطقية، ويعمل على إعادة تشكيل الوعي الشعبي على أسس وطنية، ويشرك الشباب بوصفهم المحرك للتغيير وبناة للمستقبل، من خلال التدريب والتثقيف والحوار..

لا يمكن الحديث عن سلام دائم دون شعب واع بمصالحه، يعرف أن حقوقه لا تأتي من فوهة بندقية، بل من قوة موقفه ووحدته ووعيه، فبقدر ما يكون الشعب يقظا وموحدا حول قضاياه العادلة، بقدر ما تهزم الحرب وتبعث الدولة من تحت الركام..

تعليقات