إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات جديدة على شبكة مالية وتجارية مرتبطة بالحوثيين، شمل 32 فرداً وكياناً وأربع سفن، يمثل بحسب توصيف إدارة الرئيس دونالد ترامب أكبر إجراء من نوعه ضد هذه الحركة المدعومة من إيران (وزارة الخزانة الأميركية، 2025). هذا الإجراء يعكس توجهاً أميركياً لتوسيع دائرة المواجهة الاقتصادية، بحيث لا تقتصر على قيادات الجماعة، وإنما تمتد إلى شبكات الدعم اللوجستي وشركات النقل والتوريد في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك شركات صينية اتهمت بالمشاركة في نقل مكونات عسكرية أو تسهيل وصول سلع مزدوجة الاستخدام للحوثيين (رويترز، 2025).
العقوبات الأميركية تكشف جانباً من تعقيد النشاط الاقتصادي الحوثي الذي لم يعد محصوراً في الجبايات الداخلية والاقتصاد الحربي المحلي، بل بات يعتمد بصورة متزايدة على شبكة تهريب النفط وغسل الأموال العابرة للحدود، وهو ما أتاح للحوثيين استدامة هجماتهم على السفن في البحر الأحمر منذ أواخر 2023، وعرقلة خطوط الملاحة والتجارة الدولية (الأمم المتحدة، تقرير مجلس الأمن 2024).
توسيع نطاق العقوبات إلى شركات وسفن أجنبية يضع القضية في إطار مشابه لتجارب دولية أخرى، فكما واجهت كولومبيا شبكات المخدرات وغسل الأموال التي كانت تمول حركات التمرد المسلحة لعقود طويلة، تواجه الولايات المتحدة اليوم تحدياً مشابهاً مع الحوثيين حيث تتداخل التجارة غير المشروعة مع تمويل العمل العسكري (مركز وودرو ويلسون، 2023). كما يشبه السلوك الحوثي في البحر الأحمر ممارسات كوريا الشمالية التي لطالما استخدمت أساليب التحايل على العقوبات عبر شبكات شحن وسيطة وسفن تحمل أعلام دول متعددة (مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، 2020).

هذه المقارنة تضع العقوبات في إطار أوسع: فالتعامل مع الحوثيين لم يعد مقتصراً على كونهم ميليشيا محلية داخل اليمن، بل تحولوا إلى شبكة عابرة للحدود، تستفيد من اقتصاد التهريب العابر للقارات. وهذا يفرض على واشنطن وحلفائها ليس فقط تكثيف العقوبات، بل تطوير آليات الرقابة البحرية والاستخباراتية في البحر الأحمر والخليج العربي، خاصة في ظل قصور آلية التفتيش الأممية في جيبوتي التي أثبتت عجزها عن منع تهريب الأسلحة وحبوب الكبتاجون وغيرها من المواد التي تصل إلى الحوثيين (تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، 2024).
كما أن لهذه العقوبات بعداً إقليمياً مباشراً يتعلق بدور دول الخليج العربي في مواجهة التهديدات الحوثية، فقد أكدت السعودية والإمارات في بيانات منفصلة دعمهما للإجراءات الأميركية، معتبرتين أن استهداف شبكات التهريب وغسل الأموال يمثل خطوة أساسية لتأمين خطوط الملاحة الدولية (وكالة الأنباء السعودية، 2025؛ وام، 2025). هذا الدعم ليس سياسياً فحسب، بل يعكس حضوراً عملياً من خلال مشاركة القوات البحرية الخليجية في مبادرات الأمن البحري المشتركة في البحر الأحمر والخليج العربي، حيث نفذت عمليات مراقبة وتفتيش، وشاركت في تدريبات مع القوات الأميركية والأوروبية لتعزيز حرية الملاحة. إن إدماج القدرات الخليجية في الرقابة البحرية واللوجستية يضاعف من أثر العقوبات، ويعزز فرص نجاحها، خاصة أن دول المنطقة تمتلك خبرة مباشرة في التعامل مع شبكات التهريب التي حاولت استغلال الموانئ اليمنية مثل الحديدة والصليف لتمرير شحنات وقود وأسلحة (تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، 2024).
إن استهداف الشركات الصينية في هذه الجولة من العقوبات يعكس أيضاً بعداً جيوسياسياً يتجاوز اليمن، إذ يحمل رسائل ضمنية إلى بكين بشأن مراقبة سلوك شركاتها الخاصة وعدم السماح لها بالمساهمة في تعزيز قدرات جماعات مسلحة تهدد أمن الممرات البحرية الدولية. وهو ما قد يفتح ملفاً أكثر تعقيداً في العلاقة بين واشنطن وبكين في ظل التنافس الاستراتيجي بينهما (واشنطن بوست، 2025).
خلاصة القول إن العقوبات الأميركية الأخيرة ليست مجرد خطوة مالية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لتقييد شبكات الدعم والتمويل الحوثية، وقطع شرايينها العابرة للحدود، مع إدراك أن نجاح هذه السياسة يتطلب تعاوناً دولياً فعالاً، وضغطاً على الأطراف الإقليمية والدولية التي تتواطأ أو تغض الطرف عن عمليات التهريب وغسل الأموال التي تغذي الحرب في اليمن وتضر بالتجارة العالمية.
*أكاديمي ومحلل سياسي يمني