الكارثة الصامتة في تاريخ اليمن أكثر من سبعة آلاف طالب يمني بلا تعليم في مصر
صادق الحكيم
بينما يبدأ العام الدراسي 2025/2026 في اليمن منذ الأول من سبتمبر، يظل أكثر من 7,000 طالب يمني في جمهورية مصر العربية بلا مقاعد دراسية، بعد إغلاق المدارس اليمنية هناك منذ مطلع العام الدراسي السابق، وضياع أكثر من نصف عامهم الدراسي 2024/2025. المفارقة الموجعة أن الدولة التي يفترض أن تحمي أبناءها، ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي ورئيسه الدكتور رشاد العليمي، اكتفت بالصمت والوعود الفارغة، تاركةً أزمة التعليم تتحول إلى جريمة دستورية وقانونية وإنسانية بحق جيل كامل.
أولًا
الالتزامات الدستورية اليمنية
الدستور اليمني واضح في مسألة التعليم:
المادة (53) من الدستور: “التعليم حق للمواطنين جميعاً تكفله الدولة وفقاً للقانون.”
المادة (54): “تسعى الدولة جاهدةً لمحو الأمية، والاهتمام بالتعليم الأساسي على نحو خاص، وتوسيع التعليم العام والفني والمهني والتعليم العالي.”
إذن، حرمان أكثر من سبعة آلاف طالب يمني في الخارج من هذا الحق هو انتهاك مباشر للدستور، وتقاعس عن أداء الواجب الدستوري الذي أقسم الرئيس وأعضاء المجلس على حمايته.
ثانيًا
القوانين اليمنية المنظمة للتعليم
قانون التعليم العام رقم (45) لسنة 1992: يؤكد في مادته (4) أن التعليم حق أساسي تكفله الدولة، ويلزم الحكومة بتوفير التعليم لأبناء اليمنيين داخل الوطن وخارجه.
قانون بعثات ورعاية الطلاب اليمنيين في الخارج رقم (24) لسنة 2005: يحدد مسؤوليات الملحقيات الثقافية والسفارات في متابعة شؤون الطلاب وضمان حقهم في التعليم، ما يعني أن أي فشل في هذا الملف هو إخلال قانوني جسيم.
ثالثًا
الالتزامات الدولية – اليمن عضو في الأمم المتحدة
اليمن طرف في عدة اتفاقيات دولية تحمي حق التعليم:
المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل شخص الحق في التعليم. ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية إلزاميًا.”
المادة (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966): “تقر الدول الأطراف بحق كل فرد في التربية والتعليم.”
اتفاقية حقوق الطفل (1989) – المادة (28): “تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم وتكفل على وجه الخصوص جعل التعليم الابتدائي إلزاميًا ومتاحًا مجانًا للجميع.”
ترك الطلاب اليمنيين في مصر بلا تعليم هو انتهاك لالتزامات اليمن الدولية، ويضع القيادة أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية أمام الأمم المتحدة.
رابعًا
أين الرئيس “الأذكى”؟
يُقدَّم الرئيس رشاد العليمي كسياسي بارع وذكي وعميق التفكير، لكنه في هذه الأزمة كان بلا حراك. لم يُصدر قرارًا رئاسيًا طارئًا، لم يوجه الحكومة بحلول عاجلة ( اعادة الوضع كما كان عليه في السنوات السابقة )، ولم يكلّف فريقًا وزاريًا بمتابعة الملف على الأرض.
الذكاء بلا قرار، والمعرفة بلا فعل، تتحول إلى كارثة سياسية تكتب في التاريخ على حساب أطفال اليمن.
خامسًا
النتائج الكارثية
ضياع عام ونصف دراسي لأكثر من 7,000 طالب.
اضطراب نفسي واجتماعي للأسَر اليمنية المقيمة في مصر.
تهديد مستقبل جيل كامل بالجهل أو الانقطاع المبكر عن التعليم.
فقدان الثقة في الدولة ورموزها لدى الجالية اليمنية في الخارج.
خاتمة
لا عذر بعد اليوم
هذه ليست قضية تراخيص إدارية ولا خلافات شكلية، إنها قضية وطنية – دستورية – إنسانية. استمرار الصمت الرئاسي والحكومي يُسجَّل في تاريخ اليمن كوصمة عار، وكتقاعس عن حماية أهم ثروة وطنية: الإنسان اليمني.
إذا كان الرئيس العليمي أذكى من أن يُخدع، وأعمق من أن يُتجاهل، فلتكن هذه الأزمة امتحانه الحقيقي: إما أن ينقذ أبناء وطنه، أو يظل عنوانًا لكارثةٍ صامتة لن تُغتَفَر.