منبر حر لكل اليمنيين

جوكر الفرصة الأخيرة لإنقاذ اليمن

*إبراهيم الأهدل

في المشهد اليمني، حيث تتشابك الخيوط السياسية وتتبدل التحالفات بوتيرة مرهقة، تبرز بعض الشخصيات بوصفها أوراقًا لم تُستخدم بعد، لكنها تظل حاضرة في وعي الداخل والخارج على السواء. ومن بين هذه الأسماء، يظل أحمد علي عبدالله صالح حالة سياسية خاصة؛ ليس فقط بسبب انتمائه لمرحلة سابقة، بل لأنه ظل في موقع المراقب الصامت، المحتفظ بأوراقه، والمتجنب للضجيج، وسط مشهد يعج بالمتغيرات والتحالفات المتبدلة.

لم يكن أحمد علي مجرد شاهد على زمن والده، بل أحد صنّاعه؛ تشرّب معادلات الحكم من الداخل، وتدرّج في مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية. وحين انهارت تلك المنظومة بعد 2011، لم يتورط في ردات الفعل، بل اختار موقعًا استثنائيًا: صمت ثقيل، ومراقبة طويلة، واحتفاظ مدروس بالأوراق. وبينما احترقت الأسماء من حوله، بقي هو الرقم الصعب الذي لم يُستنفد، والورقة التي تم تأجيل تفعيلها.

في السياسة اليمنية، حيث تُستهلك الأوراق سريعًا وتُحرق الأسماء قبل أن تؤدي أدوارها، تبدو شخصية مثل أحمد علي أقرب إلى “الجوكر” الذي تم تأجيل استخدامه. ليس فقط لأنه يملك ما يربك خصومه، بل لأنه لم يُختبر بعد على أرضية ما بعد 2011، حيث فشلت معظم الأسماء التي صعدت فجأة، وافتقرت للرصيد أو البوصلة.

بالنظر إلى مسيرته، أحمد علي ليس وافدًا جديدًا على الحكم، بل وُلد في قلبه، وتدرّج في دوائره، واكتسب رصيدًا سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا لا يُستهان به. فهو نجل رئيس حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، وقاد الحرس الجمهوري في أكثر فتراته حساسية، قبل أن يتحول إلى دبلوماسي، ثم إلى شخصية مؤجلة، ينتظر كثيرون لحظة عودتها.

ورغم سنوات الغياب، لم يغب اسمه عن التداول. فعند كل منعطف، يعود الحديث عنه كخيار كامن، ونقطة تقاطع محتملة بين قوى متنافرة عجزت عن إنتاج بدائل حقيقية. قوته لا تكمن في تاريخه فقط، بل في غموضه السياسي، وقدرته على التريث، واحتفاظه بأوراقه حتى اللحظة الحاسمة.

مع ذلك، فإن عودة الرجل محفوفة بعقبات. فالحوثيون يرونه امتدادًا لإرث الخصومة مع والده، والجمهورية التي انقلبوا عليها، والشرعية تتعامل معه بتحفظ، نظراً لموقعه المحتمل في أي تسوية قادمة، وما يمثله من ثقل داخل المؤتمر الشعبي العام. أما الداخل الممزق، فيفتقر إلى حاضنة قادرة على استيعاب عودته بسلاسة.

وفي ظل هذا الواقع المعقّد، تختلف التوقعات حول مستقبل أحمد علي بين استمرار صمته والابتعاد عن المشهد، وفرصة للعودة عبر توافق سياسي داخلي ودولي. ويراهن فريق آخر على عودته القوية كقائد وطني قادر على إعادة بناء الدولة، ويُرتكز هذا الاحتمال على توحيد التيار الجمهوري بقيادة أحمد علي، وإعادة تنظيم المؤتمر الشعبي العام بقيادته، ليطرح مشروع مصالحة وطنية شاملة تعالج جذور الأزمة، وتوازن بين مطالب الداخل ومخاوف الخارج، مستندًا إلى دعم شعبي وإقليمي.

إضافة إلى أن ما يمتلكه الرجل من كفاءة إدارية، وخبرة عسكرية، وعلاقات داخل مؤسسات الدولة السابقة، فضلًا عن حضوره الهادئ وغير التصادمي، يجعل منه مرشحًا طبيعيًا لتجسيد “اللحظة الفارقة”. فهو لم يُجاهر بطموحه، ولم ينسحب، بل ظل حاضرًا كمعادلة صامتة تزداد أهمية كلما تعقّد المشهد.

أما خارجيًا، لا يزال أحمد علي يتمتع بقبول لدى بعض القوى الإقليمية والدولية، التي ترى فيه شخصية قادرة على إعادة التوازن في مشهد مرتبك. كما أن روابطه مع القيادات العسكرية والسياسية السابقة وكذا الوجاهات القبلية والاجتماعية تمنحه فرصة استعادة سريعة للنفوذ إذا ما توفرت الظروف الملائمة. ويُلاحظ أن بعض الأطراف الإقليمية، خصوصًا تلك التي تبحث عن شريك يملك خبرة في التعامل مع المؤسسة العسكرية اليمنية، تنظر إليه كخيار عقلاني يمكن إعادة تدويره، خاصة في ظل تآكل رصيد قوى الأمر الواقع، وانسداد الأفق أمام الحلول التقليدية.

وعلى المستوى الشعبي، ما يزال اسمه يحظى برصيد متفاوت من التقدير، لا سيما في أوساط ترى في فترة حكم والده استقرارًا نسبيًا مقارنة بالحال الراهن. فبينما يراه البعض امتدادًا للنظام السابق، يعتبره آخرون رمزًا للعودة إلى دولة المؤسسات والانضباط، وهو ما يمنحه هامشًا متناميًا من القبول الشعبي، خاصة في مناطق تعاني من فراغ السلطة.

وبين اتساع الانقسامات وفشل القوى القائمة في إنتاج مشروع وطني جامع، تتجه الأنظار وبقوة نحو أحمد علي كخيار غير مستنفد، قادر على كسر الجمود وإعادة صياغة المعادلة، وتراه “الجوكر” الذي لم يُطرح بعد، وربما الورقة الوحيدة القادرة على قلب الموازين حين تحين اللحظة، حاملاً بارقة أمل لليمنيين في استعادة الاستقرار إليهم، ويكتب الفصل الأول لبداية اليمن الجديد.

*باحث دكتوراة في القانون الدستوري.

تعليقات