تشهد اليمن منذ سنوات حربًا طاحنة لم تقتصر آثارها على الجانب العسكري والسياسي فحسب، بل امتدت إلى بنية المجتمع اليمني وقيمه الراسخة، فبعيدًا عن الشعارات المعلنة، فإن المتأمل في مسار الحرب يدرك أن هناك أهدافًا غير مباشرة تستهدف جوهر المجتمع اليمني، أبرزها ضرب التدين الحقيقي، وتفكيك القبيلة كوحدة اجتماعية متماسكة، والتشجيع على تجاوز القيم والعادات الأصيلة، خاصة في ما يتعلق بدور المرأة، تحت مبررات “الحرية” و”التحرر”..
ضرب التدين الحقيقي وتشويه صورة الدين
من أبرز ما سعت إليه هذه الحرب هو ضرب التدين الحقيقي، الذي كان يشكل لُحمة أخلاقية وثقافية في المجتمع اليمني، فالدين لم يكن مجرد شعائر، بل منظومة قيم تحكم العلاقة بين الفرد وأسرته، وبين المجتمع والدولة، غير أن أطرافًا متعددة –داخلية وخارجية– حاولت ضرب هذا المفهوم، عبر دعم تيارات دينية متطرفة أو منحرفة، أو من خلال ربط الدين بالعنف والتخلف في الخطاب الإعلامي والسياسي، والنتيجة أن جزءًا من الناس بدأ ينفر من الدين، ليس بسبب جوهره، وإنما بسبب صورته المشوهة التي رسمتها الحرب وتبناها بعض الفاعلين..
تفكيك القبيلة: ضرب وحدة المجتمع
القبيلة في اليمن ليست مجرد بنية اجتماعية تقليدية، بل تمثل نظامًا أخلاقيًا وقانونيًا يحكم العلاقة بين الأفراد، ويحمي الضعفاء، ويضمن الاستقرار داخل المجتمع، وفي زمن غياب الدولة، كانت القبيلة ملاذًا للعدالة وضمانًا للأمن، ومع ذلك، فإن الحرب استهدفت هذه الوحدة القبلية، من خلال تفتيت الولاءات، وإدخال القبائل في صراعات داخلية، وتغذية العداوات بينها، هذا التفكيك لم يكن عفويًا، بل خُطط له بعناية، لأن تفكيك القبيلة يعني تفكيك أحد أهم أعمدة التماسك الاجتماعي..
المرأة بين الحرية وتفكيك القيم
أما على صعيد المرأة، فقد استُخدمت شعارات الحرية والتمكين لتمرير أجندات تهدف إلى سلخ المرأة عن محيطها الثقافي والاجتماعي، لا خلاف على أهمية تمكين المرأة وتعليمها وحفظ حقوقها، لكن المشكلة تكمن في الطريقة التي يُروج بها لهذا التمكين، ففي كثير من الأحيان، يُستخدم هذا الملف لضرب العادات الأصيلة، وتحريض المرأة على التمرد على أسرتها ومجتمعها، ليس لتحقيق الحرية الحقيقية، بل لتفكيك البنية الأخلاقية للأسرة والمجتمع..
في الختام
لا يمكن فهم الحرب في اليمن دون النظر إلى بعدها القيمي والاجتماعي، فهي ليست مجرد صراع على السلطة أو النفوذ، بل معركة على الهوية والوعي، وإذا لم يتم التنبه لهذا الجانب، فإن نتائج الحرب ستكون أعمق من دمار البنى التحتية، إذ ستطال جوهر المجتمع اليمني، وقيمه، وعقيدته، ونسيجه الاجتماعي، حينها سيكون من الصعب إعادة البناء، لأن ما يُهدم في النفوس والعقول لا يُرمم بسهولة..