منبر حر لكل اليمنيين

عِناق

شعر/ يحيى الحمادي

كــان مِـنـكُم.. لـكُـم يَـجُوعُ ويَـعرَى
وإلـيـكـم يَــجُـوبُ عَـصـرًا فَـعَـصرا

حــامِـلًا فــي يـديـهِ أَرضًـا؛ وشَـعـبًا
نـــابَ عــنـهُ الـغُـبارُ والـرِّيـحُ دَهــرا

حــاكِـيًـا لِـلـنـجومِ ذِكـــرى صِـبَـاهـا
بَـيـن جـفـنَيهِ، سـامِـعًا عـنـهُ بُـشرى

صــائِـدًا لِـلـبُرُوقِ مِــن كُــلِّ صَــوبٍ
عـائـدًا بـالـدُّخَانِ مِــن كُــلِّ مَـسـرَى

سـائِــلًا لِلـرِّيـاحِ مِــن أَيـنَ جــاءَت
دُونَ ماءٍ.. ومُـمـسِكًا ذَيــلَ أُخــرَى

رافِــلًا بـالـعُبَابِ، والـعُشبِ، والـجَمْـ
ـرِ الــذي لَـم تُـحِـط بــهِ الـنارُ خُـبرا

عــازِفًــا لِـلـرَّصِـيفِ والـحقلِ لَـحـنًـا
كـاتِـبًا عَــن شـيـوخِ يـأجـوجَ سِـفرا

مــادِحًـا كُـــلَّ كـــادِحٍ مــاتَ جُـوعًـا
قــادِحًـا كُـــلَّ ســـارِقٍ مِــنـهُ أَثــرَى

هــكـذا عـــاشَ حـاضِـنًا كُــلَّ قـلـبٍ
وهــو بُـؤسًـا يَــذُوبُ قَـلـبًا وصَـدرا

لَــم يَـكُـن شـاعِـرًا عـلـى كُــلِّ حـالٍ
كـــــانَ خَــلْــقًـا بـكُـنْـهِـهِ اللهُ أَدرَى!

(جـــاءَ مِــن نَـفـسِهِ إِلـيـها وَحِـيـدًا)
حــاطِـبًـا عُــمــرَهُ صَـقِـيـعًـا وقَــفـرا

أَشبَــعَ الصَّــبرَ جُـوعُــهُ فــي بـلادٍ
مِنهُ تَطهُو.. وأَشـبَعَ الـجُوعَ صَـبرا

(كانَ يَدعُو الرُّبَى: سُعادًا.. لَمِيسًا..)
كي يَرَى في الحَصادِ سَعدًا وعَمرَا

غــيـرَ أَنَّ الـرُّبَـى لِـمَـن خــان تَـهـفُو
لا لِــمَـن بــاتَ يَـصـهَرُ الـلَّـيلَ حِـبـرا

(كـــان أَنـقَـى، بــدونِ خَـبْـزٍ وأَكــلٍ)
فـهـو أَحــرَى بِـمَوقِفٍ لَـيسَ يُـشرَى

كـــان يَـحـيَا كَـمَـوجَةٍ مِــن سَــرَابٍ
أَرهَـقَـتـهـا الــرِّيــاحُ مَــــدًّا وجَـــزرا

(لَـم يَنَل ما يُرِيدُ.. حتى الخَطــايا)
فـالـخَطـــايا بـغَـيـرِهِ كُـــنَّ أَحـــرَى

إِنـــــهُ أَصـــــدَقُ الـمَـجَـانِـينِ حُــبًّــا
(إِنَّــــهُ أَخــطَــرُ الـصَّـعـالِيكِ طُـــرَّا)

أَيُّــهُــم خَـــطَّ لِـلـحَـصَى مـهـرَجـانًا
مِــن طُـيُـوفٍ، وقـالَ لِلمَوتِ: عُـذرا!

***

كـــانَ كُـــلَّ الـبـلادِ.. طِـيـنًا ولَـحـمًا
وهــو شَـوقًـا يَـمُـوتُ شِـبـرًا فَـشِبرا

أَغــلَـبُ الــظَّـنِّ أَنَّـــهُ اشـتـاقَ مَـوتًـا
أَغــلَــبُ الــظَّـنِّ أَنَّـــهُ مـــاتَ قَــهـرا

لَـم يَمُتْ بَعدُ.. لَم يَعِشْ بَعدُ.. قالُوا:
عـاشَ تَترَى.. وقِـيلَ: بَل ماتَ تَترَى

لَـــم يَــزَل خَـلـفَ صَـوتِـهِ ذا تَـصَـادٍ
شـارِحًا مـا جَـرَى، ومـا سَـوفَ يَطرَا

(جَــرَّبَ الـمَـوتُ مَـحْوَهُ ذاتَ يَـومٍ)
قــالَ: أَنْـسَى.. ولَـم أَجِـد بَـعدُ قَـبرا

(سَـوفَ تَـأتِي أَيَّـامُنا الخُضرُ.. لكنْ)
حِـيـنَ تَـغدُو ضَـمَائِرُ الـناسِ خُـضْرا

إِنَّ عُــمـرًا يَـضِـيعُ فــي غَـيـرِ حُـلـمٍ
يَـشـربُ الـناسُ نَـومَهُ.. لَـيسَ عُـمرا

هــكـذا عـــاشَ.. كُـلُّـنـا فـيـهِ جُــرحٌ
إِنَّمـا.. مَـن لِـجُـرحِهِ الـيَـومَ يَـقـرَا؟!

لَـــو قَــرَأنـا جِـرَاحَـنـا مـــا انـهَـزَمنَا
نَـحـنُ شَـعـبٌ يُـريـدُ بـالجَهلِ نَـصرا

إِنــمـا الـشِّـعـرُ دَفــقَـةٌ مِـــن شُـعُـورٍ
لَـيـسَ مَــن حَكَّ شَـعرَهُ قـالَ شِـعرا

ما بين الأقواس مقتبس من قصائد عدة للبردوني

تعليقات