منبر حر لكل اليمنيين

“فبراير” كيف تحول إلى منصة اختراق إيراني مباشر.. وإلى أداة وظيفية لتفكيك الدولة اليمنية

يمن المستقبل/ خاص

قراءة في مدخلات فبراير ودور سفارات الاقليم في التعبئة وتأهيل الأجندات وفقا للفوضى الخلاقة

مصطفى المخلافي/

في مطلع عام 2012، شهدت ما تُعرف بثورة “فبراير” تحولاً حاسماً في بنيتها ووجهتها، حيث لم تعد التعبيرات الشعبية والاحتجاجات القليلة ذات الطابع الأيديولوجي هي المحرك الأساسي للمشهد، بل بدأ يتشكل مسار جديد تُديره شبكات إقليمية تستثمر النشطاء وتعيد توظيفهم ضمن مشروع سياسي أوسع يتجاوز التطلعات الوطنية، وأبرز هذه المحطات في هذا التحول كان نقل مجموعة من بعض القيادات السياسية المعروفة والناشطين البارزين في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء إلى بيروت، ولم يكن ذلك انتقالاً عفوياً أو لأغراض التثقيف السياسي، بل جزءاً من عملية منظمة، إقامة مجانية، تذاكر سفر مدفوعة، تمويل مفتوح، واتصالات مباشرة مع ممولين وأجهزة إقليمية، ولتوصيف المشهد كما هو فإن هؤلاء لم يكونوا ثوار بالمعنى النضالي، إنما واجهات قابلة للتطويع يُعاد تأهيلهم سياسياً وإعلامياً ليتماهوا مع المشروع الخارجي، حيث وصل عدد الذي سافروا إلى بيروت كدفعة واحدة بحسب قيادات ثورية (300) ناشط وسياسي وهو رقم يكشف عن فقدان الفعل الثوري كحقيقة تسعى إلى التغيير وبناء الدولة اليمنية الحديثة.

بيروت أحد بوابات تفكيك المشروع الوطني

في بيروت لم يكن الهدف بناء وعي وطني أو نقاش مشروع سياسي مدني، بل إعادة تشكيل وعي الناشطين ضمن إطار تعبوي رمزي قائم على المظاهر لا الجوهر، هناك تم توزيع المكوّنات الجديدة لما يمكن وصفه ربما بـ اللباس السياسي الجاهز، من حضور حلقات نقاش ممولة إلى جلسات شراب جماعي وانخراط في طقوس ومشاهد تُحاكي النماذج الثورية الإيرانية، لكن بصورة مشوهة للواقع اليمني وبدون إدراك لأبعادها.

طهران ذروة التحول الرمزي.. صلاة بلا وضوء خلف الخميني

بلا شك إن التحول الأخطر تمثل في انتقال هؤلاء الناشطين والسياسيين من بيروت إلى طهران، فيما يمكن اعتباره ذروة الاستيعاب الأيديولوجي، نصفهم كان في حالة سُكر فعلي كما نقل الناشط بشير عثمان، لكن المشهد الذي كان ينتظرهم لم يكن ندوة فكرية أو ورشة حول بناء الدولة المدنية، بل تجميع استراتيجي تم تنظيمه بدقة، بلغ حد تأدية الصلاة خلف المرشد الأعلى علي خامنئي شخصياً، وهي نقطة تحول كبيرة في مسار (فبراير) الذي سلم الدولة في نهاية المطاف والعاصمة صنعاء لوكلاء خامنئي كرد جميل ربما على كرم الاستضافة.

هؤلاء الذين خرجوا في الأصل مطالبين بدولة مدنية حسب قولهم، وجدوا أنفسهم في لحظة مفصلية يركعون خلف سلطة دينية مطلقة، بلا وضوء ولا وعي سياسي، وأيديهم ملفوفة بسلسلة رمزية من الولاء الأعمى، حيث لم يكن هذا حدثاً عابراً بل تأكيداً على أنهم لم يعودوا أدوات حراك، بقدر ما هم أدوات تعبئة ضمن منظومة لا تعترف بهم إلا بوصفهم بيادق رخيصة في صراع إقليمي.

الأثر السياسي.. سقوط استقلالية القرار اليمني

لعل هذا التحول ترك أثراً عميقاً على مسار العملية السياسية في اليمن، فالنشطاء الذين عادوا من طهران لم يعودوا يمثلون صوتاً مستقلاً، بقدر ما أصبحوا امتداداً ناعماً لمشروع ولاية الفقيه، لقد تم تجريد الحراك من استقلاليته وتحويله من تعبير فوضوي داخلي إلى امتداد وظيفي لمعادلات إقليمية تتقاطع فيها طهران والدوحة عبر وكلاء محليين.

بلا شك أن ما حدث شكل لحظة انكسار سياسي، كاختراق النخبة الشبابية وإعادة هندسة خطابهم السياسي وفق مفردات ليست وطنية، بل طائفية وإقليمية، تُدار خارج حدود اليمن، ولعل هذا ما فسر لاحقاً اصطفاف جزء من هذه القوى في لحظة 2014/2015 مع الانقلاب الحوثي بشكل مباشر أو بصمت متواطئ حتى شخصيات يسارية ووجاهات سافرت غلى طهران وعادت بدون ربطة عنق لكن بعمامة مخفية.

بيع القيم والمبادئ في مقابل تفكيك الوطن

هذه التجربة تعكس ما يسميه بعض المفكرين بـ التفاوض الأيديولوجي عبر المال أو الهبات الرمزية، حيث تتحول المبادئ إلى شعارات قابلة للبيع، ويُمنح الدعم المالي واللوجستي مقابل إظهار الطاعة وتكرار طقوس الشراب والسفر والصلاة بلا وضوء، ثم العودة إلى الساحات، كأن شيئاً لم يحدث، فيما الواقع أن الوطن كان قد تفكك فعلياً، رمزياً ومؤسسياً.

وسيم القرشي.. إعلامي في خدمة المشروع الإقليمي

برز دور إعلاميين ضمن هذه الشبكة لعبوا أدواراً محورية في التغطية والتوجيه، على رأسهم وسيم القرشي مدير قناة يمن شباب، الذي سافر إلى قطر في بدايات فوضى فبراير، وحصوله على دعم مالي سخي وسيارات فارهة، ليتحول بعد ذلك إلى جزء من آلة إعلامية وظيفية تُعيد إنتاج السردية القطرية الإخوانية، فيما قناة يمن شباب لم تكن مجرد منصة إعلامية، بقدر ما كانت موجهة لتهيئة المزاج الشعبي لتقبل مشاريع وأجندات خارجية ما بعد الدولة، وتلميع أدوات الخارج بوصفهم صوت الداخل.

فبراير نهاية المشروع الوطني لا بدايته

في المجمل لم تكن تجربة فبراير انطلاقة نحو الدولة المدنية، بل بداية نهاية المشروع الوطني، كالحراك الذي تم تصديره وإعادة إنتاجه في بيروت وطهران، ثم استخدامه كسلاح رمزي لتحطيم المفاهيم الجامعة، كالدولة والهوية والسيادة، ثم عاد المشاركون ليتحدثوا عن الحرية بعد أن شاركوا في طقوس الولاء لنظام لا يعترف لا بحرية ولا بدولة يمنية موحدة.

فبراير أداة اختراق وظيفية لتفكيك الدولة

ما ظهر لاحقاً من تسريبات، وسلوكيات تنظيمية يؤكد أن ما سُمي بـ “ثورة فبراير” لم تكن حركة مطلبية وطنية خالصة كما يدعي اتباعها، إنما مشروعاً وظيفياً تحركه مصالح خارجية، حيث جرى تعبئة الشباب وتوجيههم إلى فعاليات إقليمية ممولة بالكامل، ليس لمناقشة مستقبل اليمن، بل لغرض إخضاعهم لأجندات محددة تتناقض جوهرياً مع أهداف الدولة المدنية التي أدعوا الدفاع عنها، ولعل مشاهد الانغماس في الملذات وتوزيع الأموال وفق سعر كل ناشط، كشف عن هشاشة البنية الأخلاقية والسياسية لهذه الثورة.

فبراير منصة لاختراق إيراني مباشر

إن الأخطر في هذا المشهد ليس فقط التمويل والتوجيه، إنما لحظة الانكشاف الكامل حين تم نقل مجموعات مختارة من الناشطين مباشرة إلى طهران دون تأشيرات، ليؤدوا صلاة الفجر خلف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، هذه الحادثة لم تكن طقساً دينياً بل لحظة تجنيد رمزية، تؤكد أن فوضى فبراير تحولت إلى أداة بيد مشروع إقليمي يستهدف بنية الدولة اليمنية وهويتها الوطنية، ولعل اللقاء المباشر بخامنئي وما تبعه من ترتيبات خاصة، يؤكد أن فبراير تحول سريعاً إلى ذراع من أذرع التمدد الإيراني في المنطقة.

ولعل هذه القراءة تضع “فبراير” ضمن مشهد إقليمي أعاد إنتاج أدوات التدخل عبر شعارات الحرية، لتكون واجهة لاختراق سيادي خطير استُخدم لتفكيك بنية الدولة اليمنية لصالح مشروع خارجي.

خلاصة سياسية

ما حدث في بيروت وطهران وحتى سفريات أخرى كان لحظة هدم، لا لحظة بناء، ولم يكن فبراير ثورة بقدر ما كان مرحلة انتقال من الاستقلالية إلى التبعية، ومن الحلم بدولة مدنية إلى الارتهان لمشروع طائفي إقليمي وأيديولوجي، ثم أن الصلاة خلف خامنئي لم تكن مجرد حدث رمزي، بل إعلان تحول كامل، من شباب يطالبون بالحرية، إلى أدوات يتم تحريكها ضمن صراع جيوسياسي لا يعبأ بمصير اليمنيين.

تعليقات