أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات تقريرها الحقوقي الجديد بعنوان “إعدام تعسفي”، والذي يوثق القرارات الصادرة عن المحكمة الجزائية المتخصصة المنحلة في صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، بحق 17 مدنيًا يمنيًا، عقب محاكمات وصفتها المنظمة بالصورية والمستعجلة، وخالية من أدنى ضمانات العدالة.
كشف التقرير أن عمليات الاختطاف والتحقيق والمحاكمة اتسمت بانتهاكات جسيمة، حيث تم اعتماد اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، واستخدام القضاء كأداة لتضفي شرعية شكلية على قرارات سياسية مسبقة.
وأشارت إلى أن هذه القرارات تأتي ضمن حملة تصعيد شاملة بدأت منذ نحو عامين، تضمنت موجات اختطاف واسعة، وإنشاء أجهزة أمنية موازية، وتطبيق تشريعات مشددة، مع توظيف تهم التخابر أو العمالة لجهات أجنبية كذريعة لملاحقة الأصوات المستقلة والمدنيين البسطاء.
ويوضح التقرير أن المستهدفين لم يكونوا ناشطين سياسيين أو عناصر أمنية، بل مواطنون عاديون، من بينهم حرفيون وعمال يوميون وشباب فقراء ومرضى، استُخدمت معاناتهم لتثبيت رواية رسمية عن شبكات تخابر وهمية.
ورصد التقرير حالات اختطاف وإخفاء قسري استمرت لشهور طويلة دون السماح للضحايا بالتواصل مع أسرهم أو محاميهم، ومن دون أي أوامر قضائية.
وأكدت شهادات الأسر أن بعض المحتجزين ظلوا مختفين لأكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر قبل الظهور في تسجيلات مصورة تُظهر اعترافات مفروضة تحت الضغط.
وتوثق المنظمة استخدام التعذيب الجسدي والنفسي بشكل واسع، شمل الضرب المبرح، التعليق، الصعق الكهربائي، العزل الانفرادي، والإيذاء النفسي. وظهر بعض الضحايا في جلسات المحاكمة بملامح واضحة للإعياء، بينما حُرموا من الدفاع أو من وصول محاميهم للملفات أو الكلام بحرية في الجلسات، حيث كانت الأحكام جاهزة قبل بدء النظر بالقضايا.
استعرض التقرير عملية إعادة هندسة القضاء في صنعاء، وتعيين قضاة موالين للمليشيا على رأس المحكمة الجزائية المتخصصة المنحلة، وتحويلها إلى منصة لتنفيذ قرارات سياسية وأمنية. وأصبح بعض القضاة المعروفين داخل صنعاء بلقب قضاة الإعدامات بسبب كثافة الأحكام القاسية في القضايا ذات الطابع السياسي، ما يحوّل المحكمة إلى أداة أمنية أكثر منها جهة قضائية مستقلة.
كما استعرض التقرير قصصاً إنسانية مؤلمة لضحايا مثل الدكتور مهاجم حجار، الذي ظهر بعد اختطافه بعدة أشهر في تسجيل مصوّر يدلي اعترافات مفروضة رغم حالته الصحية، والشاب فيان نيسان، الذي كان يعمل في إصلاح الأطباق اللاقطة قبل أن يُحكم عليه بالإعدام في جلسة قصيرة، دون أي دليل على التهم المنسوبة إليه.
خلصت منظمة سام إلى أن هذه الأحكام تمثل إعدامات تعسفية ترتقي إلى جرائم حرب وفق القانون الدولي، كونها نُفذت بعد محاكمات خالية من الحد الأدنى من معايير العدالة، وفي سياق نزاع مسلح، بما يخالف اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ودعت المنظمة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تشمل وقف تنفيذ قرارات الإعدام فوراً، والكشف عن مصير المختفين وضمان سلامتهم، وتمكين المحامين من التواصل الحر والآمن مع موكليهم، وفتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات، وتفعيل آليات المساءلة الدولية ضد القضاة والجهات الأمنية الضالعة في هذه الممارسات.