النظام القديم في حالة هشّة والجنوب الدولي يتولى زمام الأمور، بينما لم يعد الغرب يفعل ذلك.
بجانب النجاح الرواندي المبهر، هناك الثورة التي يقودها الآن الرئيس إبراهيم تراوري في بوركينا فاسو والتي أدت إلى إتحاد بضعة دول أفريقية مع بعضها دفعة واحدة، وإلغاء الحدود فيما بينها، وتوحيد بطاقات هويات وجوازات سفر مواطنيها، وافتتاح العديد من المشاريع لقواعد صناعية متقدمة والتي يضع بنفسه أساسات جديدة لها كل يوم، وقيام البرلمان الإتحادي الأفريقي في أديس أبابا وإلغاء الجمارك وفتح المعابر بين دول القارة الأفريقية، كما تمثل دول البريكس الموسعة الآن أكثر من 50% من الناتج الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الإنتاجية والخبرات البشرية والقدرة الشرائية، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
لم تعد دول البريكس كتلة رمزية، بل أصبحت لاعباً اقتصادياً محورياً في مواجهة مجموعة الدول العجائز السبع المنعزلة في برجها العاجي، وصارت تضم دولاً جديدة مثل إيران ومصر وإثيوبيا. وأيضاً دول مثل الإمارات العربية المتحدة وشقيقتها المملكة العربية السعودية. – (تعتقد بعض الأوساط بأن الدول العربية المذكورة هُنّ مجرد مسمار جحا في حائط مجموعة البريكس، مثلها مثل الدور التمثيلي المشبوه الذي تقوم به الهند داخل التجمع الاقتصادي الجديد).
لقد بدأت هيمنة الدولار بالإنهيار، هو والبترودولار الذي كان لعقود خلت يلعب حجر الزاوية في منظومة الإمبريالية المالية العالمية.
طردت افريقيا القواعد والقوات الفرنسية وشركات استغلال المناجم، واليوم تعتقل دولة المكسيك رجال مخابرات السي آي إيه CIA وقوات مكافحة المخدرات الأمريكية وتسجن اغلبهم وتصادر أسلحتهم ومعداتهم وطائراتهم وتطرد بعضهم من أراضيها، وتعمل كل من الصين وروسيا والبرازيل بدون دولارات. فيما أعلنت كلٌ من البرازيل والأرجنتين عن التجارة بينهما وبين الصين بالعملات المحلية وتتبعها في ذلك بقية الدول اللاتينية، حتى إندونيسيا والعربية السعودية تتخليان عن الدولار، وقد قررتا فعل نفس الشيء.
وماذا عن إبتزاز صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المُقنّعة بغطاء “مساعدات التنمية”؟!، كلها تتراجع أمام بنك البريكس، الذي يُموّل البنى التحتية دون فرض تقشف أو خصخصة أو تسريح جماعي للعمال.
لم يعد الجنوب العالمي يحتاج إلى وصي إمبريالي، بل شق طريق استقلاله الذاتي من بوركينا فاسو حتى كيب تاون، ومن بكين حتى موسكو والقاهرة، وما بينهما.
كثكالى لا تزال تعيش الحنين إلى الماضي ووهم دور الدول المتحضرة، تلوّح تلك العواصم الغربية الباردة بالعقوبات والاستمرار بالتضليل الإعلامي المفضوح، بينما يواصل حلف الناتو تصدير الحروب بذرائع إنسانية سخيفة، لكنه نموذج فاشل بدأ يفقد زخمه ويفقد زمام قدرته على تحريك قواعده الشعبية وكتله الإنتخابية.
إن التعددية القطبية الصاعدة حالياً لم تكن بفعل فاعل وإنما نتيجة فشل المنظومة الغربية واستعلائها وإساءة استخدامها لموارد البلدان الفقيرة واستغلال إقتصاد البلدان الثرية وحساباتها البنكية ومقاطعتها ومصادرة ممتلكاتها واستثماراتها، وحتى استخدام الغذاء والدواء والماء كسلاح في وجه الضعفاء.
إمبراطورية البيت البيضاوي القديمة، مثلها مثل إمبراطورية باكنجهام العجوزة، لم تسقط لأنه أُطيح بها، بل لأنه لم يعد أحد يحتاج إليها أصلاً ولا إلى سلاحها المُكلف والمتخلف عن المنظومات الشرقية المتقدمة، ولا إلى صوتها أو سياساتها الاستعمارية الانحيازية المتخبطة.
– ودمتم.
#الامبراطورية_تموت
*ملاحظة هامة: تقدمت العربية السعودية إلى دولة بوركينا فاسو بعرض بناء 200 مسجد في أنحاء البلاد، ورغم أن الرئيس إبراهيم تراوري مُسلم سُني ملتزم فإنه رفض عرض سمو الأمير محمد بن سلمان وصرّح بأن بوركينا فاسو بحاجة إلى مشافي ومدارس ومصانع وطرقات إلى آخره، وإلى أن طقوس الصلاة الصادقة يمكن أن تقام في أي بقعة أو على أي تربة أرض خالية.
*من صفحته في فيس بوك.