على الرغم من التكهنات المتزايدة التي طالت وامتدت، نفذ الكيان الاسرائيلي صباح أمس الجمعة عملية عسكرية جوية سميت ب “الأسد الصاعد” على الأراضي الإيرانية، جاءت تتويجاً لتهديدات يطلقها رئيس الوزراء نتنياهو منذُ قرابة 20 عاماً.
عقب تكتم وتموية كبير قام سلاح الجو الاسرائيلي بشن غارات جوية مكثفة على مواقع تخصيب إيرانية، وضربات دقيقة أستهدفت القضاء على رؤوس القيادة العسكرية والنووية للنظام الإيراني، كما هدفت إلى ما وصفته إسرائيل بـ”منع التقدم السريع لطهران في تطوير الأسلحة النووية”.
جاءت تلك الغارات نتيجة تراكمات سلسلة من المفاوضات الطويلة والأحداث المتواترة السابقة، ففي حين كانت المفاوضات السابقة في عهد إدارة أوباما تحرز تقدماً، إلى أن وصل ترامب الى قيادة أمريكا فوجه بالانسحاب من تلك المفاوضات في مايو 2018.
مؤخراً ومع امتلاك طهران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج أسلحة نووية متعددة في غضون أشهر، أصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى أن تصبح دولة مسلحة نوويًا.
لم يحدث معظم هذا التوسع النووي خلال الفترة المتبقية من ولاية ترامب الأولى بعد انسحابه، بل حدث بعد تنصيب جو بايدن في يناير 2021، الذي تخلى عن حملة الضغط القصوى التي شنها ترامب، فاستأنف المفاوضات بشكل غير مباشر، التي حققت ما وصف بأنه تقدماً ملوحظاً.
ومع ذلك إلا أن قدر الإيرانيين بعودة ترامب إلى الواجهه في أمريكا كان محتوماً بهذه الأحداث، ففي وقتاً سابق قال مبعوث الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف أن الخط الأحمر بالنسبة لإدارة ترامب هو امتلاك إيران للسلاح النووي.
فيما حذر وزير دفاع ترامب هيغسيث أنه في حال تعذر منع ايران من تطوير سلاحها النووي فإن الجيش مستعد لضرب العمق الإيراني وبقوة.
وقال هيغسيث إن ترامب يأمل في ألا يضطر للجوء إلى الخيار العسكري، لكنه سيفعل ما يلزم لمنع إيران من حيازة قنبلة نووية.
وأضاف الوزير الأميركي بأنه من المؤكد أن إسرائيل ستشارك بشكل كبير في عمل عسكري وستقوده.
وأثناء استقباله وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في فبرايرالماضي، قال نتنياهو بثقة “بفضل دعمكم الثابت، ليس لدي أدنى شك في أننا سوف نُنهي المهمة” ضد إيران.
كما أن الغارات التي شنتها أسرائيل أتت بعد عدة ساعات من أنتهاء مهلة الـ 60 يوماً التي أعطها ترامب. حيث كتب في منشور على منصته “تروث سوشيال”: “قبل شهرين، أعطيت إيران مهلة 60 يوما لـ (إبرام صفقة).
كان ينبغي عليهم التوصل إليها! اليوم هو اليوم الـ61. أخبرتهم بما يجب عليهم فعله، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. الآن، ربما لديهم فرصة ثانية!”.
كما وصف الضربات بأنها ” هجومً ناجح للغاية”.
واضاف “نحن بالطبع ندعم إسرائيل، ومن الواضح أننا دعمناها كما لم يدعمها أحد من قبل”.
ومع أن البصمة الأمريكية واضحه في الهجوم الذي لم ينفذ فقط من الاراضي الفلسطينية بل حتى من داخل الأراضي الإيرانية نفسها والذي افادة معلومات أن مخطط جرى العمل عليه منذ مدة زمنية بتسلل عناصر من الموساد إلى الأراضي الإيرانية وبناء منصات إطلاق لطائرات المسيرة والصواريخ بالقرب من قواعد عسكرية، عملت على تحييد قدرات إيران الدفاعية.
وكذلك مجموعة الإجراءات التي اتخذتها أمريكا قبل الهجوم بإغلاق سفارتها في بغداد وزيادة الإجراءات الأمنية الاستباقية لقواعدها العسكرية في المنطقة وكذلك اعطائها إنذار مبكر للاخلاء لمصالحها الاقتصادية والتجارية في الخليج العربي .
الا أن أمريكا تنفى أشتراكها رسمياً في تلك الهجمات
وأكدت أن إسرائيل تصرفت بشكل منفرد.
ازدواجية المعايير .
في حين أن الموقف الإسرائيلي من برنامج إيران النووي بحسب قياداتها مبني على 4 مطالب هي صفر تخصيب إيراني لليورانيوم، وصفر أجهزة طرد مركزي، وصفر مفاعلات، وصفر رؤوس نووية. يؤكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن أسرائيل تحوز على 90 رأساً نووية. كما يعتبر البرنامج النووي الإسرائيلي من أكثر البرامج النووية إثارة للجدل في العالم ، فأولت النخب الحاكمة المتعاقبة في تل أبيب أهمية بالغة لبناء وتطوير برنامجها النووي، ويعتبر بؤرة انشغالاتها القصوى.
وإحاطته بسرية تامة معتمدةً على مبدأ الغموض النووي، الذي مكنها من قطع أشواط كبيرة في انجاز مخططات مشروعها النووي دون إثارة قلق المجتمع الدولي.
استطاعت تل أبيب بناء ترسانة كبيرة من القنابل النووية والهيدروجينية والنيوترنية مدعمة بطائرات وصواريخ وغواصات متنوعة ومتطورة لإطلاقها، نتيجة الأشواط الكبيرة والمتقدمة التي قطعها برنامجها النووي، الذي تم دعمه من طرف الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض التي عملت على توفير كل ما يحتاجه الكيان الإسرائيلي لاحتكار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط.
يعكس البرنامج النووي للكيان الإسرائيلي القيم والمعايير المزدوجة من جهة، ومن جهة أخرى التوظيف الماهر لسياسات غض الطرف من طرف الولايات المتحدة الأمريكية فهذه الأخيرة خرقت المعاهدات الدولية المبرمة لمنع انتشار الأسلحة النووية، وهذا من خلال تزويد تل أبيب بكافة المساعدات التي من شأنها تكريس تفوقها على جيرانها عامة والدول العربية خاصة.
وفي هذا الإطار وبحسب مصادر أمدت واشنطن إسرائيل بأربعة أطنان من الماء الثقيل لاستعمالها في الأبحاث العلمية بجامعة “التخنيون” في حيفا وإرفاقها بشحنات من الوقود الذري، ولعل هذا يفند الصورة المثالية التي سعت الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض رسمها لنفسها أمام العالم ، كدولة حريصة على السلم والأمن الدوليين من خلال محاربة سباق التسلح ومكافحة انتشار الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل. فالسياسات الخارجية الأمريكية في مجال نزع السلاح النووي تشوبها ازدواجية واضحة للعيان فعلى الرغم من دعم واشنطن على الصعيد الرسمي لسياسات منع الانتشار النووي ، والسعي الدؤوب لصناع قرارها لوضع حد نهائي لمثل هذه الأسلحة الفتاكة، إلا أن الممارسات العملية للولايات المتحدة الأمريكية في حقيقة الأمر تعمل على تكريس سياسات سباق التسلح والعمل على استمراره على الصعيدين الدولي والإقليمي .
ففي حين دعت فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، إلى ضبط النفس واللجوء الى الدبلوماسية، دون إدانة إسرائيل أو التبرؤ من ضرباتها، في رد فعل مفاجئ نوعاً ما، إن لم يكن متناقضاً، تجاه الهجوم الواسع الذي شنّه الكيان الاسرائيلي ضد إيران وعبّرت عن دعمها لـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” في مواجهة التهديد الوجودي الذي يشكّله، بحسب تعبيرها، امتلاك النظام الإسلامي للسلاح النووي.
كما كشفت إيران في توقيت سابق وحساس وفي ظل تصعيد متسارع، حصول أستخباراتها على ما وصفته بـ “كنز إستراتيجي” من داخل إسرائيل، يتمثل في آلاف الوثائق والمعلومات السرية، ويتعلق معظمها بالبرنامج النووي الإسرائيلي وعلاقاته الخارجية.
وبحسب طهران تدين هذه الوثائق تورط ومشاركة دول أوروبية في بناء الأسلحة النووية لإسرائيل.
وعبرت طهران أن نشر هذه الوثائق أو التهديد بذلك قد يُحدث تحولا في الرأي العام العالمي، ويضع ضغوطا على الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، لتفسير دعمها لبرنامج نووي إسرائيلي غير خاضع للمراقبة، في وقت تضغط فيه على إيران بشدة.
الخلاصة:-
تتطلع دول المنطقة الى تفعيل كل الاتفاقيات بخصوص الحد من انتشار الأسلحة النووية، ونزع السلاح، والحد من التسلح ، بهدف وقف سباق التسلح، في سبيل منطقة لا بل عالم خالى من الأسلحة الخطرة، يسوده الأمن والسلم الدوليين.
والعمل على ايقاف السيناريوهات العسكرية التي وبلا شك ستعمل على جر المنطقة إلى حرب مفتوحة وقد تُقحم فيها دول عدة،
كما انه في حال ضرب المفاعل النووية للبلدين، ستكون هناك تداعيات سلبية على دول الخليج والمنطقة ككل ، فخطر تأثيرات الإشعاعات النووية على الإنسان تتمثل في إصابته بأمراض وأورام سرطانية وأمراض الدم، وستتلوث مياه البحار والزراعة، وتهدد الوجود في المنطقة،
خصوصاً أن وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، أعلنت أن الهجمات الإسرائيلية على موقع “نطنز” النووي، تسببت في تلوث داخل الموقع.
*باحث علوم سياسية.