كتب/ المحرر السياسي
في الثالث من يونيو 2011، وأثناء تأدية كبار قادة الدولة اليمنية لصلاة الجمعة في مسجد دار الرئاسة، دوى انفجار عنيف في حادثة وصفت بأنها أخطر محاولة اغتيال لزعيم عربي، والأخطر من بين محاولات الاغتيال السياسي في تاريخ اليمن الحديث، لم يكن ذلك مجرد عمل إرهابي، بل كان جزءاً من مؤامرة مدروسة لإسقاط الدولة اليمنية من داخلها وبطريقة بشعة.
الرئيس اليمني حينها، علي عبد الله صالح، أصيب بجروح خطيرة أدت لاحقا إلى اجراء أكثر من 20 عملية جراحية ناهيك عن دخوله في غيبوبة لعدة أيام، فيما قُتل وأصيب عدد من كبار القادة العسكريين والسياسيين. وسرعان ما اتضحت الحقائق شيئاً فشيئاً، العملية لم تكن من تنفيذ جماعات مجهولة أو عدو خارجي، بل نتاج تحريض داخلي مدفوع بالصراع على السلطة، وممول بالفوضى والتآمر السياسي.
التحريض الممنهج… مدخل للفوضى والانفجار
منذ فبراير 2011، بدأت جماعات سياسية وعسكرية ودينية وقبلية، بقيادة ما يُعرف بـ تحالف اللقاء المشترك، وبدعم من قوى نافذة والتي انشقت عن النظام، بتأجيج الشارع وتحريض الشباب على التصعيد ضد الدولة.
اللافت أن ما بدأ كحراك مطلبي تحول سريعاً إلى تحشيد مسلح وتمرد علني بقيادة اللواء المنشق علي محسن الأحمر الذي خرج من عباءة النظام ليقود تمرداً داخل المؤسسة العسكرية إلى جانب بعض قبائل حاشد بزعامة صادق الأحمر، التي دخلت في اشتباكات مسلحة ضد الدولة داخل العاصمة. بالإضافة إلى قيادات دينية حزبية مرتبطة بالإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) التي عملت على أسلمة التحريض وتحويله إلى جهاد سياسي ضد الدولة، حينها لم يكتفوا بالتحريض، بل فتحوا الجبهات من الداخل، ومهدوا لواحدة من أخطر جرائم الإرهاب السياسي في تاريخ اليمن والتي ترتب عليه العديد من الجرائم الجنائية والسياسية وانهيار كامل لنظام الدولة.
الجريمة… تتويج لمخطط الانقلاب لا حادثاً عرضياً
جاءت الجريمة كبداية ذروة للتصعيد المسلح والانقسام الداخلي، وكانت تهدف بشكل واضح إلى اغتيال رأس الدولة وشل القيادة العليا، وإحداث فراغ دستوري يفتح الباب أمام المجلس الانتقالي الذي كانت تعده المعارضة، ثم جر البلاد إلى صدام مفتوح بين القوى الأمنية والجيش المنقسم، وإسقاط العاصمة صنعاء بتمرد داخلي وبدعم وإسناد جهات خارجية إقليمية ودولية وهو ما جعل منها جريمة ارهابية تستحق فتح تحقيق طويل لا يمكن اغلاقه إلا بمثول المتورطين والمتهمين أمام القضاء.
الترتيب الدقيق لتفاصيل الجريمة، وطبيعة تنفيذها من داخل مؤسسة الرئاسة، يشير إلى اختراق من أطراف داخلية على ارتباط باللواء المنشق علي محسن الأحمر وقادة قبليين بالتخادم مع قيادات حوثية، كذلك مرتبطة بقيادات اخوانية متطرفة ومعتقة، فالمسجد يقع في قلب دار الرئاسة، لا يمكن الوصول إليه أو زرع عبوات ناسفة فيه إلا عبر منظومة أمنية مفككة أو مخترقة وهذا ما اتضح لاحقاً في التحقيقات التي رافقت ملف الجريمة.

الجهات المتورطة… المتهم معروف بالاسم والصفة
بناءً على الوقائع الميدانية، وتزامن الحادثة مع تصعيد غير مسبوق من المعارضة، فإن الاتهام المباشر يوجه إلى جماعات دينية متطرفة صاحبة النفوذ العسكري الواسع، والذي انشق منها بعض المحسوبين عليها من المؤسسة العسكرية وأسسوا منطقة عسكرية متمردة داخل العاصمة، وساهموا بشكل كبير في تسهيل حدوث هذه الجريمة التي هزت اليمن والمنطقة والعالم أجمع من بشاعتها، ويشير الاتهام أيضاً وبشكل مباشر إلى بعض قيادات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) التي كانت تمسك بخيوط الشارع وتؤطر التحركات بما يخدم مشروع السيطرة على السلطة عبر إسقاط النظام لا عبر التفاوض أو الانتخابات.
تداعيات الجريمة… من استهداف الرئيس صالح إلى تفجير الدولة
بلا شك أن إصابة الرئيس صالح مهدت لتغييب مؤقت للقيادة، واستُغل الحدث لفرض مبادرة دولية، ومن ثم تآكل مؤسسات الدولة بعد انكشاف مدى اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإدخال اليمن في مرحلة صراع طويل الأمد، أدى لاحقاً إلى انهيار الدولة وسقوط العاصمة صنعاء في يد ميليشيا الحوثي الإرهابية.
المؤامرة بدأت بالتحريض وانتهت باغتيال الجمهورية
إن جريمة دار الرئاسة لم تكن فعلاً فردياً أو استثنائياً، بل هي النتيجة الحتمية لتحالف المعارضة المسلحة مع القوى المنفصلة عن النظام، والتي تآمرت على مؤسسات الدولة وأرادت إسقاطها بالقوة لا عبر العملية الديمقراطية، وما جرى في الثالث من يونيو 2011 لم يكن إلا الطلقة الأولى في حرب طويلة قسمت اليمن ومزقت نسيجه السياسي والاجتماعي وشرعنت لسفك دماء الناس بصورة مخيفة، حيث كان المخطط إلى جانب تفجير جامع الرئاسة استهداف (خزانات الغاز) واعداد الكمائن في الطرق المؤدية إلى المستشفيات ما يعني أن الجريمة مركبة ومعدة اعداد دقيق يعكس الحقد الذي حملته هذه القوى والشر الذي كانت تخطط لتنفيذه.
وحتى اليوم لا تزال تلك الجهات دون محاسبة، فيما ظلت الجريمة بلا محاكمة، وبلا عدالة، وبلا مصير، في مشهد يعكس هشاشة المرحلة الانتقالية وفشل العدالة السياسية في اليمن بل أنه حدث تواطؤ من قبل الذين صعد للسلطة لاحقًا مع المتهمين وتم تهريبهم في سابقة عكست النية المبيتة لدى أصحاب المشروع الجديد ممن رفعوا شعار الدولة المدنية الحديثة دون أن ينفذوا منها ولو 1%.